ج٤ص١٧٣
المعترفين بالشرع إذا سمعوه. قوله :( استوى أمره أو استولى الخ ) في الكلام الاستواء من الصفات
المختلف فيها فقيل المراد استوى أمره فالإسناد مجازيّ أو فيه تقدير، ولا يضرّ حذف الفاعل إذا قام ما أضيف إليه مقامه، وقيل الاستواء بمعنى الاستيلاء كما في قوله :
قد استوى بشر على العراق
فعلى الأوّل ليس من صفاته تعالى، وعلى الثاني يرجع إلى صفة القدرة، وفي أحد قولي الأشعريّ إنه صفة مستقلة غير الثمانية، واليه أشار المصنف رحمه الله، وقيل بالتوقف فيه وأنه ليس كاستواء الأجسام وحمله المجسم على ظاهره. قوله :( والعرش الخ ( أي هو فلك الأفلاك، أما حقيقة لأنه بمعنى المرتفع أو استعارة من عرس الملك وهو سريره، ومنه رفع أبويه على العرس، أو بمعنى الملك بضم الميم وسكون اللام ومنه ثل عرشه إذا انتقض ملكه واختل. قوله :( ولم يذكر عكسه للعلم به الخ ) أشار بقوله يغطيه أي يغطي الله النهار بالليل، إلى أنّ الفاعل هو الله وإسناده إلى الليل مجاز ولما كان المغطي يجتمع مع المغطي وجوداً ولا يتصوّر هنا قال المصنف رحمه الله في سورة الرعد يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلماً بعدما كان مضيئاً يعني المغطى حقيقة هو المكان، وأسند إليه للملابسة بينهما، وجوّز جعل الليل والنهار مغشي على الاستعارة بأن يجعل غشيان مكان النهار واظلامه بمنزلة غشيانه للنهار نفسه، فكأنه لف عليه لف الغشاء أو شبه تغيب كل منهما بطريانه عليه بستر اللباس للابسه، وكون الجوّ مكانهما بمعنى مكان ضيائهما وظلمتهما والا فليس للزمان مكان فتدبر. قوله :) أو لآنّ اللفظ يحتملهما الخ ) يعني معنى ما ذكره أوّلاً من تغطية النهار بالليل وعكسه تغطية الليل بالنهار، فيكون موافقا للقراءة المشهورة. وقال ألنحرير : إنه يعني أن يغشى الليل النهار محتمل لمعنى جعل الليل لاحقا بالنهار، بأن يحمل على تقديم المفعول الثاني وهو الليل ولمعنى جعل النهار لاحقا بالليل بأن يكون المفعول الثاني هو النهار، إلا أنه قيل ولا يراد منه إلا أحد المعنيين على التعيين فوجب المصير إلى الجواب الأوّل، واحتمال أنّ في أحد المعنيين إشارة إلى الآخر لا يخفى بعده، ورذه أبو حيان بأنه لا يجوز أن يكون الليل مفعولاً ثانيا من حيث المعنى لأنّ المنصوبين إذا تعدى إليهما فعل وأحدهما فاعل من حيث المعنى يلزم أن يكون هو الأوّل منهما، كما لزم ذلك في ملكت زيدا عمراً، ورتبة التقديم هي الموضحة لأنه الفاعل معنى، كما لزم ذلك في ضرب موسى عيسى بخلاف أعطيت زيداً درهما فإن تعين المفعول الأوّل لا يتوقف على التقديم، وفي القاعدة المذكورة كلام سيأتي في سورة مريم. وعندي أن مراده أنّ الليل والنهار بمعنى كل ليل ونهار وهو بتعاقب الأمثال مستمرّ الاستبدال فيدذ على تغيير كل
منهما بالآخر من غير تكلف ومخالفة لقواعد العربية فتدبره فإنه دقيق، وبالتأمّل حقيق، وقوله :( ولذلك قرئ الخ ( فإنّ هذه القراءة تدلّ على العكس، وسيأتي لهذا تحقيق في سورة الرعد وي! إن شاء الله تعالى. قوله :( يعقبه سريعاً كالطالب الخ ( أي الليل لأنه المحدّث عنه، والحث الإعجال والسرعة في الحمل على فعل الشيء كالحض، يقال حثثته فهو حثيث ومحثوث. قوله :( بقضائه وتصريفه ) تفسير للأمر، وفي الكشاف بمشيئته وتصريفه وسماه أمرا على التشبيه، أي على سبيل الاستعارة إذ جعل هذه الأشياء لكونها تابعة لتدبيره وتصريفه كما يشاء، كأنهن مأمورات منقادة لأمره، ويصح حمله على ظاهره كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ سورة يس، الآية : ٨٢ ] على تفسير أي هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة مذللة منقادة لإرادته، وقوله وقرأ ابن عامر رحمه الله كلها لو قال وقرأها كلها كان أحسن، وفي القراءة الأولى جوّز تقدير جعل ونصبها به، ومسخرات مفعول ثان. قوله :) فإنه الموجد والمتصرف ( إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الظرف، وفيه لف ونثر مرتب، فالموجد للخلق والمتصرت للأمر، والفاء للتفريع أو التفسير. قوله :( تبارك الله ( قال الإمام رحمه الله البركة لها تفسيران أحدهما البقاء والثبات، والثاني كثرة الآثار الفاضلة، فإن حملته على الأوّل فالثابت الدائم هو اللّه، وإن حملته على الثاني فكل الخيرات والكمالات من الله، فلهذا لا يليق هذا الثناء إلا بحضرته، وقوله :) بالوحدانية ( قيل أخذه مما قبله، لأنه لما اختص الخلق والتصرف به تعالى لزم انحصار الألوهية والربوبية