ج٤ص١٧٦
على النمط السابق بعد تفرقها ثم
إحيائه، ففيه رذ على منكريه، والأوّل أظهر لأنّ المتبادر من الآية كون التشبيه بين الإخراجين من كتم العدم، والثاني يحتاج إلى تمحل تقدير الأحياء واعتبار جمع الأجزاء مع أنه غير معتبر في جانب المشبه به، قلت قوله بردّ النفوس إلى موادّ أبدانها بعد جمعها يأبى حمله على الأوّل، وهو المذهب الحق الذي اختاره المصنف فتأمّل، تطريتها من المنقوص بمعنى تجديدها، وموادّ بالتشديد جمع ماذة وقوله :( فتعلمون ) بيان للمقصود من تذكر ذلك وتدبره بمقتضى المقام، وقوله :( بالقوى ) أي بسبب القوى أو بإظهار آثار القوى فلا يرد عليه أنّ القوى موجودة وان لم تتعلق النفس بها، فالوجه أن يقال بعد جمع أبدانها وتهيئتها لتعلق النفس وصلوحها للقوى والحواس فتدبر. قوله :( ١ لأرض الكريمة التربة ( إشارة إلى أنّ البلد بمعنى الأرض! مطلقاً كما في قوله :
وبلدة مثل ظهر الترس موحشة للجن بالليل في حافاتها زجل
وأمّا استعمالها بمعنى القرية فعرف طار، والكريمة التربة تفسير للطيب، وكرمها كونها
منبتة لاسباخا. قوله :( بمشيئته وتيسيره ) هذا معنى إذن الله كما مرّ. قوله :( عبر به عن كثرة النبات وحسنه الخ ) أي المراد من كونه طيبا أن يكون حسنا وافياً لكونه واقعاً في مقابلة نكدا، فالمطابقة معنوية، وفي صحاح الجوهري نكدت الركية قل ماؤها، ورجل نكد عسر، وقيل : إنّ في الكلام حالاً محذوفة، أي يخرج واقياً حسنا بقرينة مقابله، والغرارة بفتح الغين والزاي المعجمتين والراء المهملة الكثرة، والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المهملة أرض ذات حجارة سود، والسبخة بكسر الباء أرض ذات ملح معروف. قوله :( قليلأ عديم النفع الخ ) تفسير نكد بالكسر، لأنه يقال عطاء نكد أي قليل لا خير فيه، وكذا رجل نكد قال :
فأعط ما أعطيته طيبا لاخيرفي المنكودوالناكد
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا
ونصبه على الحال أو صفة مصدر محذوف أو معطوف على الطيب فيكون البلد عاماً، ويخرج أصله يخرج نباته كما قدره المصنف رحمه الله تعالى، أو التقدير وبنات الذي خبث الخ وقال الطيبي : والذي خبث إشارة إلى أنّ أصل الأرض! أن تكون طيبة منبتة، وخلافه طار لعارض!، كما أنه مثال للإنسان الذي الأصل فيه أن يكون على الفطرة، وقوله :( ونكدا ) على المصدر أي قرئ نكداً بفتحتين على زنة المصدر، والنصب أيضا على أنه مصدر أي خروجاً
نكداً كما ذكره المعرب، وقيل أراد به تصحيح اللفظ لا أنه منصوب على المصدر، فإنه حال بحذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه، وتوله :( يخرجه البلدا لم يجعل الضمير لله لتكلفه، ونردّدها ونكرّرها تفسير لنصرف، لأنّ التصريف تبديل حال بحال، ومنه تصريف الرياح. قوله :( لقوم يشكرون نعمة الله الخ ) أو مثل ما مرّ في القرآن من تفصيله وتبيينه نفصل ونكرر سائر آياته لمن شكر نعمة الله التي من جملتها هذا التفصيل، وشكرها بالتفكر فيها والاعتبار بها وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون به وإن عم، وإنما فسر الشكر بما ذكر لأنه المناسب لما قبله، ولو أبقى على ظاهره لكان أظهر. قوله :( والآية مثل لمن تدبر الآيات الخ ) أي قوله :( والبلد الطيب ) الخ استطراد واقع على أثر ذكر المطر الذي هو توطئة لقوله :﴿ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى ﴾ الخ أي هو تمثيل وتقريره أنا بينا تلك الآيات الدالة على القدرة والعلم لعلكم تتفكرون فيها، فتعلمون أنكم إلينا ترجعون، لكن لا تنجع تلك الآيات إلا فيمن شرح الله صدره، فيخرج نبات فكره طيباً، ومن جعل صدره ضيقا لا يخرج نبات فكره إلا حبينا، فلا يرفع لها رأساً، كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون، وهذا كما في حديث الصحيحين أنه ﷺ قال :" إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء قأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجاذب أمسكت الماء، فنقع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان ) ١ ( لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم