ج٤ص١٧٧
ومثل من لم يرفع لذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت له " ) ٢ (. وقوله :( لم يرفع رأساً ( استعارة لعدم الانتفاع والقبول، والظاهر أنه كناية، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى هذا الحديث. قوله :) جواب قسم محذوف الخ ( أي هو جواب قسم محذوف تقديره والله لقد أرسلنا، وفي الكشاف فإن قلت ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد، وقل عنهم نحو قوله :
حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموافما إن من حديث ولا صالي
قلت : إنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لا تساق، إلا تأكيداً للجملة المقسم عليها التي
هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم، وتبعه المصنف رحمه الله لكن غيره من النحاة قالوا إذا كان جواب القسم ماضيأ مثبتاً متصرفاً
فإما أن يكون قريبا من الحال فيؤتى بقد، وإلا أتيت باللام وحدها، فجؤزوا الوجهين باعتبارين، وقال هنا : لقد بدون عاطف، وفي هود والمؤمنين بعاطف قال الكرماني لتقدم ذكره صريحاً في هود وفي المؤمنين ضمناً في قوله :﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [ سورة المؤمنون، الآية : ٢٢ ] لأنه أوّل من صنعها بخلاف ما هنا. قوله :( لأنها مظنة التوقع ( هو معنى كلا ا الكشاف الذي قررناه، ولا فرق بينهما كما توهم، وفي شرح التسهيل بسط لهذه المسألة والاعتراض بقوله تعالى :﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ ﴾ وهم لأنّ الكلام في الماضي، والمراد بالتوقع توقع الأعلام به لأنه ماض. قوله :( ونوح ابن لملك الخ ( لملك بفتحتين ولأمك كهاجر أبو نوج عليه الصلاة والسلام، ومتوشلح بوزن المفعول في المشهور، وقيل هو بفتح الميم وضم المثناة الفوقية المشددة وسكون الواو وشين معجمة ولام مفتوحة ثم خاء معجمة. قوله :( أوّل نبتي الخ ) اعترض عليه بأنه يقتضي أنه أوّل الرسل، وقد كان قبله شيث وإدرش! عليهما الصلاة والسلام، وهو من خواص نبينا محمد!ت، وأجيب عنه بأنّ عموم الرسالة للثقلين، وبقاء دعوته إلى يوم القيامة، وأيضا إنه بعد الطوفان لم يكن في الأرض غير قومه، وتفصيله في شرح البخارقي لابن حجر. قوله :( أي اعبدوه وحده ) فسره به لدلالة ما بعده عليه لأنّ الإله المعبود، ولأنهم معترفون بعبادته، وهي مع التشريك كلا عبادة، وغيره قرئ بالحركات الثلاث، بالنصب على الاستثناء، والجر على النعت أو البدل من إله، والرفع باعتبار محله. قوله :) إن لم تؤمنوا ( كان الظاهر إن لم تعبدوا، لكن لما كانت عبادته تستلزم الإيمان به قدر ذلك، وكون المراد باليوم يوم الطوفان لأنه أعلم بوقوعه إن لم يؤمنوا. قوله :( أي الإشراف الخ ) الرواء بضم الراء المهملة والمذ حسن المنظر، وملء العيون مجاز عن زيادة حسنهم في النظر، وقيل لأنهم ملوّن قادرون على ما يراد منهم من كفاية الأمور، أو يملؤون المجال! باتباعهم. توله :) أي شيء من الضلال بالغ في النفي الخ ) في الكشاف الضلالة أخص من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل لك ألك تمر فقلت ما لي تمرة، وفي المثل السائر الأسماء المفردة الواقعة على الجنس التي يفوق بينها وبين واحدها بتاء
التأنيث متى أريد النفي كان استعمال واحدها أبلغ، ومتى أريد الإثبات كان استعمالها أبلغ، كما في هذه الآية، وليس الضلالة مصدرا كالضلال بل هي عبارة عن المزة الواحدة، فإذا نفى نوح عليه الصلاة والسلام عن نفسه المرة الواحدة من الضلال فقد نفى ما فوق ذلك، وقد اشتهر الاعتراض على ذلك بوجوه منها ما قيل إنه غير مستقيم لأنّ نفي الأخص أعم من نفي الأعم، فلا يستلزمه ضرورة، أنّ الأعم لا يستلزم الأخص بخلاف العكس، ألا تراك إذا قلت هذا ليس بإنسان لم يلزم أن لا يكون حيوانا، ولو قلت هذا حيوان لا يستلزم أن يكون إنسانا، فنفي الأعم كما ترى أبلغ من نفي الأخص، وأيضاً جعل التاء للوحدة كتاء تمرة، وقد قال في المجمل الضلال والضلالة بمعنى واحد، وأيضاً لو قيل ما عندي تمرة بمعنى تمرة واحدة، وعندي تمر كثير صح، كما لو أظهر ذلك فقال ليس عندي تمرة واحدة بل تمرات حتى لا يعد مثله تناقضا، فقول نوج ﷺ :﴿ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ ﴾ ليس نفياً لضلالات مختلفة الأنواع، وردّ بأنهما وأن جاآ في اللغة بمعنى واحد كالملال والملالة إلا أن مقابلة الضلال بالضلالة ونفيها عند قصد المبالغة في الهداية، يدل أن المراد به المرة، والتاء للوحدة فيكون بعضاً من جنس الضلال وفرداً واحدا منه، ويؤول