ج٤ص٢٠٣
معطوف على تغيير النظم والأوّل أولى وقوله : أو تأكيد ضميرهم المتصل يعني المستتر في يكون لأنه في حكمه بل أشد، وهو معطوف على توسيط الفصل والاعتراض بأنّ الجمع بين الفصل والتأكيد لا يمكن لأنّ لأحدهما محلاً من الإعراب دون الآخر وهم ظاهر، فإن قلت ما الفرق بين أن يكون الضمير مؤكدا وبين أن يكون فصلاً، قلت قال الطيبي رحمه الله : التكرير يرفع التجوّز عن المسند إليه فيلزم التخصيص من تعريف الخبر أي نحن نفعل الإلقاء البتة لا غيرنا والفصل لتخصيص الإلقاء بهم لأنه لتخصيص المسند بالمسند إليه فيعرى عن التوكيد، وقال الفاضل اليمني : قد ذكر علماء المعاني أنّ ضمير الفصل يفيد التخصيص وكذا تعريف الخبر فعلى هذا إذا أجتمعا هل يكونان جميعا مفيدين للتخصيص كما تفيد أن، واللام التأكيد إذا اجتمعتا أو يكون حاصلا بأحدهما فقط فإن جعلناه بتعريف الخبر يكون إنما جيء به للفرق بين الخبر والنعت اهـ، وله تفصيل ليس هذا محله. قوله :( كرماً وتسامحاً أو ازدراء الخ ) التسامح تفاعل من السماحة، وهي قرينة من الكرم أو المراد به عدم المبالاة فيقرب من الازدراء وهو إفتعال من الزراية وهي التحقير، وهو جوأب عما يقال إنّ إلقاءهم الحبال والعصيّ معارضة للمعجزة بالسحر وهي كفر، والأمر بالكفر كفر فكيف أمرهم به، والجواب أنّ السحرة إنما جاؤوا لإلقاء الحبال والعصيّ، وقد علم موسى-لج!ه أنهم لا بد، وأن يفعلوا ذلك وإنما وقع التخيير في التقديم والتأخير كما صرّج به في الآية الأخرى أوّل من ألقى فجوّز لهم التقديم لا لإباحة فعلهم بل لتحقيرهم، وقلة مبالاته بهم وللوثوق بالتأييد الإلهيّ وأنه لن يغلب سحر معجزة فقط، وهذا لا دلالة له على الرضا بتلك المعارضة، وأيضا أذن لهم ليبطل سخرهم فهو إبطال للكفر بالآخرة وتحقيق لمعجزته، وقوله ووثوقاً على شأنه ضمن الوثوق معنى الاعتماد فلذا عدّاه بعلى والا فهو يتعدى بالباء. قوله :( بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه ) فسره بذلك لقوله :﴿ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ ﴾ وهو كقوله تعالى :﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [ سورة طه، الآية : ٦٦ ] وقد روي أنهم لو نوها وجعلوا فيها زئبقا فلما أثر تسخين الشمس فيها تحرّكت والتوى بعضها ببعض فتخيل الناس ذلك وليس في هذا إبطالاً للسحر مع أنه ثابت بالنصوص لكن المعتزلة تنكره كما تنكر الجن فالأولى تركه كما قيل بل لأن القرآن ناطق بخلافه إذ جعله كيداً وتخيلا، ولذا لم يلتفتوا لاعتراضه هنا. قوله :( وأرهبوهم إرهاباً شديداً الخ ) يعني أنّ الاسترهاب بمعنى الإرهاب البليغ فالطلب مجاز في المبالغة والزيادة لأنّ المطلوب من شانه أن يهتم به ويبالغ فيه، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنهم الخ فلا يرد عليه، ما قيل إنه بمعنى الأفعال ل! للطلب كما قال الزمخشريّ : لعدم ظهوره هنا إذ لا يلزم منه حصول
المستدعي والمطلوب. قوله :( عظيم في فنه الخ ) يعني أنّ عظمته بالنسبة لغيره من السحر، ولما هو في زعمهم، وأن ألق أن فيه تفسيرية لتقدّم ما فيه معنى لقول دون حروفه أو مصدرية فهي مفعول الإيحاء وقوله فألقاها الخ يشير إلى أن الفاء المذكورة والمحذوفة فصيحة وقد مرّ ما فيه. قوله :( ما يزؤرونه من الإفك الخ ) الإفك بفتح الهمزة مصدر أفكه بمعنى قلبه، وهو أصل معناه وإطلاقه على الكذب لكونه مقلوباً عن وجهه لكنه اشتهر فيه حتى صار حقيقة، وقد فسره به ابن عبامى رضي الله عنهما هنا أيضا، وما موصولة وهو معلوم من تقديره العائد أو مصدرية، والإفك بمعنى المأفوك لأنه المتلقف وترأ حفص تلقف بالتخفيف وغيره تلقف بالتشديد وحذف إحدى التاءين وتلقف بمعنى تأخذ وتبتلع. قوله :( فثبت لظهور أمره ) يعني استعير الوقوع للثبوت والحصول أو للثبات والدوام لأنه في مقابلة بطل فان الباطل زائل، وفائدة الاستعاوة الدلالة على التأثير لأنّ الواقع يستعمل في الأجسام وهو كقوله تعالى :﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ﴾ [ سورة الأنبياء، الآية : ١١٨ إذ استعير القذف لا يراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل ومن فسر الواقع بالتأثير أراد هذا، وقال الفراء : معناه تبين الحق من السحر. قوله :( أي صاروا أذلاء مبهوتين الخ ) أي الانقلاب مجاز عن الصيرورة لظهور المناسبة بينهما أو بمعنى الرجوع فصاغرين حال، وقوله والضمير الخ أي الضمير واجع لفرعون وقومه والسحرة على الاحتمال الأوّل، وعلى الاحتمال الثاني لفرعون


الصفحة التالية
Icon