ج٤ص٢٦٦
مطلقا فما ذكره هنا على مذهبه وعلى ما رجحه ابن جني من أنّ المنفيّ بلا يؤكد لشبهه بالنهي كما في قوله تعالى :﴿ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ ﴾ [ سورة النمل، الآية : ٨ ا ] وقد اعترض عليه بأنه منع ما جوّزه هنا في سورة النمل لأنّ النون لا تدخله في السعة فكأنه نسي هناك ما جوّزه هنا وقد يوفق بيتهما فتدبر. قوله :( وفيه شذوذ الخ ) قد عرفت أن ابن جني وبعض النحاة جوّزوه وقد ارتضاه ابن مالك في التسهيل لكن ما ذكره كلام الجمهور. قوله :( أو للنهي على إرادة القول ( أي لا ناهية والجملة صفة فتنة أيضا لكن لما كان الطلب لا يقع صفة لأنه قائم بالمتكلم وليس حالاً من أحوال الموصوف فقولك مررت برجل اضربه لا يصح إلا باعتبار تعلقه به لكونه مقولاً فيه ذلك، وليس المقصود بالمقولية الحكاية بل استحقاقه لذلك حتى كأنه مقول فيه، وجوّز وصفه به باعتبار تأويله بمطلوب ضربه فلا يتعين تقدير القول كما قيل، وان اشتهر ذلك كما في شرح المغني فتامّل. قوله :( حتى إذا جن الظلام الخ ) هذا رجز لا يعرف قائله، وفي كامل المبرّد رحمه الله العرب تختصر التشبيه وربما أومأت إليه، كما قال أحد الرجاز :
بتنا بحسان ومعزاه تبط فا زلت أسعى بينهم وألتبط
حتى إذا كاد الظلام يختلط جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط
يقول إنه في لون الذئب لأنّ اللبن إذأ خلط بالماء ضرب إلى الغبرة، والمذف بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وقاف اللبن الممزوج بالماء، وقط لاستيعاب الزمان الماضي وهي مشددة لكنها مخففة للوقف عليها وما رواه المصنف رحمهه الله مخالف لرواية المبرّد في المحراع الأوّل، واختلط بالخاء المعجمة أي اختلط ما فيه لشدة ظلمته، ويصح إهماله أي بالغ في ظلمته يعني أن رائي اللبن يخطر بباله لون الذئب لشدة شبهه، فإنّ هذا اللبن يشبه لونه وهو من بديع التشبيه كما في قول بعض المتأخرين :
قام يقط شمعة فهل رأيت البدرقط
قوله :( وأما جواب قسم الخ ) فيظهر تأكيده ويؤيده القراءة الأخرى، وهي قراءة عليّ
وزيد بن ثابت وأبيّ وابن مسعود رضي الله عنهم، وإنما قال : وان اختلفا في المعنى لأنّ إحداهما إثبات والأخرى نفي ردّاً على من جعلهما بمعنى فمنهم من قال لتصيبن أصله لا تصيبن حذفت ألفه، ومنهم من قال لا تصيبن أصله لتصيبن فطول ألفه، وهو ضعيف والإصابة على الأوّل عامّة وعلى هذا خاصة، ومن لم يعرف مراده قال لا حاجة لذكر هذا مع وضوحه. قوله :( ويحتمل أن يكون نهياً بعد الآمر الخ ) أي يكون نهيا مستأنفاً لتقرير الأمر وتوكيده ومعناه لا تتعرّضوا للظلم فتصيبكم الفتنة خاصة لأنه سببها فالإصابة خاصة على هذا وإنما أوّل بلا تتعرّضوا لأنّ الفتنة لا تنهى فهو من باب الكناية كما مرّ في قوله :﴿ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٢ ] واليه يشير بقوله عن التعرّض وأشار بقوله خاصة إلى أنه خاص على هذا كما مرّ. قوله :) فإنّ وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه ( بيان للمعنى على النهي كما مرّ، وقيل إنه تعليل للنهي عن التعزض للظلم فإذا اختص! وباله بالظالم لم يؤول نفيه إلى نفي الإصابة رأساً ولا إلى نفي الخصوص واثبات العموم، كما في الوجوه المتقدمة وفيه نظر. قوله :( ومن في منكم على الوجوه الأوّل للتبعيض الخ ( وفي نسخة على الوجه الأوّل والصحيح في الحواشي الأولى، وفي الكشاف معنى من التبعيض على الوجه الأوّل والتبيين على الثاني لأنّ المعنى لا تصيبنكم خاصة على ظلمكم لأن الظلم أقبح منكم من سائر الناس فقيل في تخصيص التبعيض بالأوّل والتبيين بالثاني حزازة، وفيل في بيانه إنّ مراده بالأوّل النفي، وهي
فيه تبعيضية لأنّ المعنى أن الفتنة لا تختص بالظالمين منكم فيكون منكم غير ظالمين تعمهم أيضاً، والثاني النهي ومن فيه بيانية لأنه نهي للمخاطبين عن الظلم الذي هو سبب إصابة الفتنة، وقد عبر عن المخاطبين باعتبار الظلم بالذين ظلموا فيكون منكم بيانا للذين ظلموا واليه أشار، بقوله لا تصيبنكم خاصة أي لا تتعرّضوا فتصيبنكم الفتنة معشر الظالمين خاصة على ظلمكم، لأنّ الظلم أقبح منكم من سائر الناس، ومن سائر الناس في محل النصب على الحال من الضمير في أقبح، ومن المستعمل مع أفعل التفضيل محذوف، والتقدير الظلم منكم أقبح من الظلم


الصفحة التالية
Icon