ج٤ص٢٨٢
كما اختص به في عرف اللغة، ولعل المراد بذكرهما التخصيص بما لأنه أشد نكالاً واهانة كما ذكره الزمخشرفي، أو المراد التعميم على حد قوله :﴿ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٢٠٥ ] لأنه أقوى ألما. قوله :( بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا الخ أليس التقدير لمجرّد الفرار من عطف الإنشاء على الخبر بل لأنّ المعنى يقتضيه لأنه من قول الملائكة قطعا قيل، ويحتمل أن يكون من كلام الله عز وجل، كما مرّ في آل عمران ونقول ذوقوا عذاب الحريق فقول البحر قطعاً فيه نظر، وعندي أنه لا وجه له فإنّ السياق يعين ما قاله، وبينهما وبين تلك الآية فرق ظاهر، وجعل بشارة لأنّ المراد به عذاب الآخرة فإن أريد به ما أحرقوا به حالة الضرب فهو للتوبيخ وقوله بشارة تهكم إشارة إلى أن قوله ذوقوا من التهكم لأنّ الذوق يكون في المطعومات المستلذة غالبا وفيه نكتة أخرى، وأنه قليل من كثير يعقبه، وأنه مقدمة كأنموذج الذائق، وبهذا الاعتبار يكون فيه المبالغة وإن أشعر الذوق بقلته. قوله :( وجواب لو محذوف لتفظيع الأمر وتهويله ) إشارة إلى أنه يقدّر لرأيت أمراً فظيعا كما اشتهر تقديره به، وقدره الطيبي رحمه الله لرأيت قوّة أوليائه ونصرهم على
أعدائه. قوله :( بسبب ما كسبتم الخ ) إشارة إلى أن الباء سببية وأق تقديم الأيدي مجاز عن الكسب، والفعل وقوله عطف على ما فهي موصولة والعائد محذوف. قوله :( للدلا لة على أن السببية مقيدة الخ ) جعل في الكشاف كلاً منهما سبباً بناء على مذهبه في وجوب الأصلح، ولذا عدل عنه المصنف رحمه الله وأشار إلى ردّه بأنّ السبب هو الأوّل وهذا قيد له وضميمة بها يتم، ووجه كونه ضميمة بقوله إذ لولاه الخ فقوله لا أن لا يعذبهم بذنوبهم معطوت على قوله أن يعذبهم، والمعنى أن سبب هذا القيد دفع احتمال أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا احتمال أن لا يعذبهم بذنوبهم فإنه أمر حسن عقلاً وشرعا فقوله للدلالة على أنّ السببية وفي نسخة سببيته الخ أي تعيينه للسببية إنما يحصل بهذا التقييد إذ بإمكان تعذيبهم بغير ذنب، يحتمل أن يكون سبب الت!ذيب إرادة العذاب بلا ذنب فحاصل معنى الآية أنّ عذابكم له إنما نشأ من ذنوبكم لا من شيء آخر فلا يرد عليه ما قيل كون تعذيب الله العباد بغير ذنب ظلماً لا يوافق مذهب أهل السنة، لا يقال هذا يخالف ما قاله في سورة آل عمران من أنّ سببيته للعذاب من حيث إن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضى إثابة المحسن، ومعاقبة المسيء، لأنا نقول لنفي الظلم معنيان، أحدهما ما ذكر من آثابة المحسن الخ والآخر عدم التعذيب بلا ذنب، وكل منهما يؤول إلى معنى العدل فلا تدافع بين كلاميه كما قيل، وأما جعله هناك سببا وهنا قيداً للسبب فلا يوجب التدافع أيضا فإن المراد بالسبب الوسيلة المحضة، فهو وسيلة سواء اعتبر سببا مستقلا أو قيداً للسبب، ومنه تعلم سقوط ما قيل على المصنف رحمه الله أنّ إمكان تعذيبه تعالى لعبده بغير ذنب، بل وقوعه لا ينافي تعذيب هؤلاء الكفرة المعينة بسبب ذنوبهم حتى يحتاج إلى اعتبار عدمه لعدم الاطلاع على مراده، ثم قال : لو كان المذعي أنّ جميع تعذيباته تعالى بسبب ذنوب المعذبين لاحتيج إلى ذلك، وهذا أيضا من عدم الوقوف على مراده فإن الاحتياج إلى ذلك القيد في كل من الصورتين إنما هو لتبكيت المخاطبين في الاعتراف بتقصيرهم بأنه لا سبب للعذاب إلا من قبلهم فالقول بالاحتياج في صورة عموم الخطاب لجميع المعذبين، وبعدمه في صورة خصوصه ركيك جداً، وقيل في بيانه إنه يريد أنّ سببية الذنوب للعذاب تتوقف على انتفاء الظلم منه تعالى، فإنه لو جاز صدوره عنه لأمكن أن يعذب عبيده بغير ذنوبهم، فلا يصلح أن يكون الذنب سبباً للعذاب لا في هذه الصورة ولا في غيرها، فان قلت لا يلزم من هذا إلا نفي انحصار السبب للعذاب في الذنوب، لا نفي سببيتها له والكلام فيه إذ يجوز أن يقع العذاب في الصورة المفروضة بسبب غير الذنوب، ولا ينافي هذا كونها سببا له في غير هذه الصورة كما في أهل بدر فلا يتم الترتيب، قلت السبب المفروض! في الصورة المذكورة، إن أوجب استحقاق العذاب يكون ذنبا لا محالة والمفروض خلافه، وان لم يوجبه فلا يتصوّر أن يكون سبباً إذ لا معنى لكون شيء سبباً إلا كونه مقتضياً لاستحقاقه فإذا انتفى هذا ينتفي ذلك،
وبالجملة فمآل كون التعذيب من غير ذنب إلى كونه بدون السبب لانحصار السبب فيه ا!.
وردّ بأنّ قوله وان لم يوجبه فلا يتصوّر أن يكون سبباً ممنوع فإن


الصفحة التالية
Icon