ج٤ص٢٩٩
الاستثناء جملة البراءة، وجملة الإمهال، لكن تعليق الاستثناء بجملة البراءة يستلزم البراءة عن بعض المشركين، فتعين تعلقه بجملة الإمهال أربعة أشهر لأنهم يمهلون وان زادت مدّتهم على أربعة أشهر، والذي يفهم من كلام الزمخشري أن الاستثناء منقطع بمعنى لكن حملا للذين عاهدتم على المشركين ولا ضرورة فيه، بل اللفظ عام والاستثناء مخصص له بهم اهـ.
وهذا وارد على ما اختاره المصنف رحمه الله مع ما فيه من تخلل الأجنبي بين المستثنى والمستثنى منه أيضا، وأجيب عنه بأنّ مراده أنه استثناء من المشركين، الثاني دون الأوّل ولا يلزم تخلل الفاصل الأجنبيّ وهو ظاهر، وحديث المنافاة لا وجه له، لأنّ المراد بالبراءة البراءة عن عهودهم كما صرّح به المصنف رحمه الله لا عن أنفسهم، ولا كلام في أنّ المعاهدين الغير الناكثين ليس الله ورسوله بريئين من عهودهم، وان برئا عن أنفسهم، وليس هنا ما ينافي هذا فيكون هذا قرينة على أن البراءة الأولى عن العهود مقيدة لا مطلقة فتأثل. قوله :( أو استدراك وكأنه قيل لهم الخ ) أي استثناء منقطع قيل فيكون قوله من المشركين في الموضعين عمل عمومه ثم يخص بالاستدراك، وبكون الذين مبتدأ، وقوله فأتموا خبره والفاء لتضمنه معنى الشرط لا جواب شرط مقدّر، وأورد على المصنف رحمه الله أمران، الأوّل أن المراد بالذين عاهدتم الناكثون كما صرّح به المصنف رحمه الله، فكيف يجوز أن يكون الاستثناء متصلاَ من
المشركين وهو السرّ في جعله استثناء من قوله :﴿ فَسِيحُواْ ﴾ وتخصيصه في الأوّل دون الثاني خلاف الظاهر، الثاني أنّ المراد به ناس بأعيانهم فلا يكون عاماً حتى يشبه الشرط، وتدخل الفاء في خبره وأجيب بأنا لا نسلم أنه خاص وكلام المصنف رحمه الله غير صريح فيه، لقوله : وأمهل المشركين فإنه صريح في العموم كما مرّ، وبأنّ زيادة الفاء في خبره على مذهب الأخفش فإنه لا يشترط ما ذكر. قوله :) من شروط العهد الخ ( الجمهور على قراءة ينقصوكم بالصاد المهملة وهو متعدّ لواحد فشيئا مصدر أي شيئا من النقصان لا قليلاً ولا كثيراً، وقرأها عطاء وغيره بالضاد المعجمة على تقدير مضاف أي ينقضوا عهدكم، قال الكرماني رحمه الله : وهي مناسبة للعهد إلا أنّ قراءة العامّة أوقع لمقابلة التمام، ومن تبعيضية ويجوز أن تكون بيانية، وقوله : ولم ينكثوه يناسب قراءة الأعجام، ويظاهروا بمعنى يعاونوا، وقوله قط إشارة إلى عموم شيئاً. قوله :( تعليل وتنبيه الخ ) يعني أن قوله إنّ الله يحب المتقين وارد على سبيل التعليل لأن التقوى وصف مرتب على الحكمين، أعني قوله :﴿ فَسِيحُواْ ﴾ وقوله :﴿ فَأَتِمُّواْ ﴾ ومضمونها عدم التسوية بين الغادر والوافي. وقوله : إلى تمام مدتهم إشارة إلى تقدير مضات لأنّ مدتهم لا يصح أن تكون غاية، بل الغاية آخرها وهو المراد بالتمام، لأنه ما يتم به الشيء وهو جزؤه الأخير، وقيل المدة بمعنى آخرها وهو تكلف، وأتموا بمعنى أدّوا ولذا عدى بإلى. قوله :( ١ نقضى وأصل الانسلاخ الخ ) قال أبو الهيثم : يقال أهللنا شهر كذا أي دخلنا فيه فنحن نزداد كل ليلة منه لباسا إلى نصفه، ثم نسلخه عن أنفسنا جزءاً جزءاً حتى ينقضي فينسلخ وهي استعارة حسنة وأنشد :
إذا ما سلخت الشهرأهللت مثله كفى قاتلاً سلخ الشهور واهلالي
ومثل انسلخ انجرد وسنة جرداء تامّة، والسلخ يستعمل تارة بمعنى الكشط كسلخت الإهاب عن الشاة أي نزعته عنها، وأخرى بمعنى الإخراج كسلخت الشاة عن الإهاب أي أخرجتها منه واطلاق الانسلاخ على الأشهر استعارة من المعنى الأوّل، فإن الزمان ظرف محيط بالأشياء كالإهاب، والمصنف رحمه الله جعله من الثاني كأنه لما انقضى أخرج من الأشياء الموجودة كذا قيل. قوله :) التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها الخ ( في الدر المصون يجوز أن تكون الألف واللام للعهد، فالمراد بهذه الأشهر الأربعة المتقدمة، والعرب إذا ذكرت نكرة ثم
أرادت ذكرها ثانيا أتت بالضمير أو باللفظ معرفا بأل، ولا يجوز أن تصفه حينئذ بصفة تشعر بالمغايرة، فلو قيل رأيت رجلا فأكرمت الرجل الطويل لم ترد بألثاني الأوّل، وان وصفته بما لا يقتضي المغايرة جاز، كقولك فأكرمت الرجل المذكور، ومنه هذه الآية فإنّ الأشهر قد وصفت بالحرم، وهو صفة مفهومة من فحوى الكلام فلا تقتضي المغايرة، ويجوز أن يراد بها غير الأشهر الحرم المتقدّمة