ج٤ص٣٠٧
موثقا في يد عدوّه المقتضي للتبريح بالجوع والتهديد أشد منه بلا شبهة، وكونهم اليهود يأباه السياق وعدم القرينة عليه، ولذا
مرضه. قوله :( بالمعاداة والمقاتلة ) قال الإمام : يعني بالقتال يوم بدر لأنهم حين سمع العرب بالخروج للعير، قالوا : لا نرجع حتى نستأصل محمدأ أو ندمغه، أو قتال حلفاء خزاعة وهذا قول الأكثرين، وتركه المصنف رحمه الله لما فيه من التكرار. قوله :( أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم الخ ) يعني أنه أقيم فيه السبب مقام المسبب والعلة مقام المعلول لأن المنكر في الحقيقة ترك القتال لخوف العدوّ، والله أحق أن تخشوه، في إعرابه وجوه فقيل الله أحق مبتدأ وخبر، وأن تخشوه بدل من الجلالة، أو بتقدير حرف جر أي بأن تخشوه، وقيل : أن تخشوه مبتدأ خبره أحق والجملة خبر اللّه. قوله :( فإن قضية الإيمان أن لا يخشى إلا منه ( القضية هنا بمعنى المقتضي أي مقتضي إيمان المؤمن الذي يتحقق أنه لا ضاز ولا نافع إلا الله، ولا يقدر أحد على مضرّة ونفع إلا بمشيئة الله أن لا يخاف إلا من الله، ومن خاف الله خاف منه كل شيء، والحصر من حذف متعلق أحق المقتضي للعموم، أي أحق من كل شيء بالخشية فلا ينبغي أن يخشى سواء. قوله :( أمر بالقتال بعد بيان موجبه ) وهو كل واحد من الأمور الثلاثة فكيف بها إذا اجتمعت، والتوبيخ من قوله : ألا تقاتلون وأتخشونهم، والتوعيد من قوله :﴿ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ ﴾ لأنّ معناه لا تتركوا أمره كما مرّ، وقدم النصر وان تأخر لفظا لتوقفهما عليه. قوله :( والتمكن من قتلهم وإذلالهم ) إشارة إلى أنّ اللازم للمقاتلة ذلك، ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ إسناده إلى الله مجاز لأنه الذي مكنهم منه وأقدرهم عليه، وقيل إنّ قوله : بأيديكم كالتصريح بأنّ مثل هذه الأفعال التي تصلح للباري فعل له، وإنما للعبد الكسب بصرف القوى والآلات وليس الحمل على الإسناد المجازي بمرضيّ عند العارف بأساليب الكلام، ولا الإلزام بالاتفاق على امتناع كتب الله بأيديكم، وكذب الله بألسنة الكفار بوارد لما مرّ مراراً أن مجرّد خلق الفعل لا يصحح إسناده إلى الخالق ما لم يصلح محلاً له، وامتناع ما ذكر احتراز عن شناعة العبارة إذ لا يقال يا خالق ألفاذورات ولا المقدر للزنا والممكن منه، ولا يخفى ما فيه فإنه تعالى لا يصلح محلاً للقتل ولا للضرب ونحوه مما قصد بالإذلال، وإنما هو خالق له، والفعل لا يسند حقيقة إلى خالقه وان كان هو الفاعل الحقيقي للفرق بينه وبين الفاعل اللغوي : إذ لا يقال كتب الله بيد زيد على أنه حقيقة بلا شبهة مع أنه لا شناعة فيه، لقوله : كتب الله فما ذكره غير مسلم. قوله :( يعني بني خزاعة الخ ( هم حلف رسول الله لمجب! الذين عاهدوا قريثاً عام الحديبية على أن
لا يعيثوا عليهم بني بكر، وكان فيهم قوم مؤمنون، وقوله : وقيل بطوناً هو منصوب بيعني مقدّراً، والبطن فرقة من القبيلة كما مرّ، وسبأ مهموز كجبل يصرف، ولا يصرف اسم بلدة بلقيس، ولقب عبد شمس بن يعرب مجمع قبائل اليمن، وهذا بناء على أن المراد بقوم مؤمنين قوم بأعيانهم، ولو حمل على العموم صح لأنّ كل مؤمن يسرّ بقتل الكفار. وقوله : أبشروا من الإبشار بمعنى التبشير والفرج القريب فتح مكة، ويدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما إنّ قوله تعالى ﴿ أَلاَ تُقَاتِلُونَ ﴾ الخ ترغيب في فتح مكة وأورد عليه أن هذه السورة نزلت بعد الفتح فكيف يكون هذا تركيباً في فتحها.
وأجيب بأنّ أوّلها نزل بعد الفتح وهذا قبله، وفائدة عرض البراءة مت عهدهم مع أنه
معلوم من قتال الفتح، وما وقع فيه الدلالة على عمومه لكل المشركين ومنعهم من البيت وقوله :( والآية من المعجزات ( أي لما فيها من الأخبار عن الغيب فهي من إعجاز القرآن الدال على تصديق النبيّ عش!ر، ولو قال فالآية لكان أولى. قوله :( ابتداء إخبار الخ ) أي بعض المشركين يتوب الله عليه فيترك كفره كما وقع ذلك، وقراءة النصب بإضمار أن ونصبه في جواب الأمر وهذه قراءة أبي عمرو في رواية عنه ويعقوب، قال الزجاج : وتوبة الله على من يشاء واقعة قاتلوا أو لم يقاتلوا، والمنصوب في جواب الأمر مسبب عنه فلا وجه لإدخال التوبة في جوابه، فلذا قال بعضهم : إنه تعالى لما أمرهم بالمقاتلة شق ذلك على بعضهم فإذا قاتلوا جرى قتالهم مجرى التوبة من تلك الكراهية، فيصير المعنى إن تقاتلوهم يعذبهم الله ويتب عليكم