ج٤ص٣٠٨
من كراهة قتالهم، والذي يظهر أنّ التوبة للكفار والمعنى أن قتالهم كان سبباً لإسلام كثير منهم لما رأوا من نصر المؤمنين وعز الإسلام من غير تكلف واليه أشار المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى ما قاله ابن جني من أنه كقولك إن تزرني أحسن إليك وأعط زيداً كذا، على أن المسبب عن ذلك جمع الأمرين لا أن كل واحد مسبب باستقلاله فإنه تعسف، والمعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو الذي في قوله تعالى :﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( ١ ) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ( ٢ ) فَسَبِّحْ ﴾ [ سورة الفتح، الآية : أ- ٢، وقوله من جملة ما أجيب به الأمر، أي بإجراء المنصوب مجرى المجزوم على عكس فأصدق وأكن، لأن جواب الأمر كما يجزم ينصب بعد الفاء فيعطف منصوب على مجزوم، وعكسه على الفرض! والتقدير وهو
المسمى بعطف التوهم، وما قيل إنّ قراءة الرفع على مراعاة المعنى حيث ذكر مضارع مرفوع بعد مجزوم هو جواب الأمر، ففهعم منه أنّ المعنى ﴿ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء ﴾ على تقدير المقاتلة لما يرون من ثباتكم وضعف حالهم، وعلى قراءة النصب فمراعاة للفظ إذ عطف على المجزوم منصوب بتقدير نصبه فهو مما لا وجه له، ولا ينبغي أن يصدر عنه فإنه على الرفع مستأنف لا تعلق له بما قبله. قوله :( خطاب للمؤمنين الخ ( الشاملين لهلمخلصمين والمنافقين لكراهة بعض منهم ذلك المنافقين وإنما عممه ليناسب ما بعده، وأم المنقطعة بمعنى بل والهمزة والإضراب فيها للانتقال من أمر إلى آخر، وجعل الأوّل كأنه لم يذكر، والحسبان بكسر الحاء مصدر حسبه بمعنى ظنه، وبضمها مصدر حسب بمعنى عد، والإضراب هنا عن أمرهم بالقتال إلى توبيخهم على الجبن، وقوله ومعنى الهمزة أي المقدّرة مع بل. قوله :( ولم يتبين الخلص منكم ( إشارة إلى أنّ لما كلم نافية، وبينهما فرق مذكور في النحو، وهذا بيان لمعنى النظم كما في الكشاف بعينه، وفي الكشف إنه يخالف بظاهره أوّله آخره لدلالة أوّله، على أن العلم مجاز عن التمييز، والتبيين يعني مجازا مرسلا باستعماله في لازم معناه، وآخره على أنه كناية عن نفي المعلوم، أي لم يوجد ذلك إذ لو وجد كان معلوماً له تعالى فهو نفي له بطريق برهاني بليغ، وأجاب بأنه إشارة إلى أنه استعمل لنفي الوجود مبالغة في نفي التبيين، وما ذكره أوّلاً حاصل المعنى وذلك لأنه خطاب للمؤمنين إلهابا لهم وحثا على ما حضهم عليه، بقوله :﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾ فإذا وبخوا على حسبان أن يتركوا، ولم يوجد فيما بينهم مجاهد مخلص دذ على أنهم إن لم يقاتلوا لم يكونوا مخلصين، وأن الإخلاص إذا لم يظهر أثره بالجهاد في سبيل الله ومضاذة الكفار كلا أخلاص، ولو فسر العلم بالتبيين مجازاً لم يفد هذه المبالغة، اهـ ولذا قيل : لم يرد به تفسير الآية على أن يكون الخلص منصوبا مفعولاً ليتبين، فإنه يتعذى كبين تقول : بينت الأمر فتبين أي عرفته لمنافاته ما سيجيء، ومن غيرهم متعلق به لتضمنه معنى الامتياز. قوله :( من حيث أن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه ) قيل : قوله في الكشاف المعنى أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين المخلص منكم، يقتضي أن تصرف المبالغة إلى الثبوت، يعني أن المعنى على التوبيخ والإنكار، فنفى العلم في التحقيق إثبات له على وجه الإنكار، وإذا أريد بالعلم المعلوم يكون مبالغة في ثبوت المعلوم لأنّ العلم كالبرهان على المعلوم من حيث أن قوله مستلزم على صيغة الفاعل، وأما إذا حمل المبالغة على المبالغة في النفي، فظاهره غير مستقيم لأنّ انتفاء الملزوم لا يستلزم انتفاء اللازم إلا بعد المساواة وحينئذ هو لازم فلا وجه للتعبير بالملزوم إلا أن يقرأ مستلزم بفتح الزاي، لكنه خلات الظاهو،
والمعروف في الاستعمال وقد تابعه من بعده وقد قيل أيضاً : إنّ مراد المصنف رحمه الله تعايى إن نفي العلم دليل على عدمه، والمذكور هو الأوّل وعلى هذا فالوجه أن يقال : من حيث أن نفي علم الله مستلزم لعدمه، إذ لو لم يكن معدوماً وجب علم الله به لإحاطة علمه بجميع الأشياء اهـ ( وعندي ( أن هذا كله تعسف غير محتاج إديه، أنّ قول صاحب الكشاف ليس إشارة إلى أنّ المبالغة في الإثبات، بل إشارة إلى أن منفي لما متوقع على شرف الوقوع كما صزج به، وأمّا ما استصعبوه فأمر هين لأنّ معنى كلامه أنه نفي العلم في الآية، وأريد نفي المعلوم فمعناه لم يجاهدوا على أبلغ وجه، لأنه برهاني إذ لو وقع جهادهم علمه الله إذ تعلق علم الله بشيء يقتضي وقوعه ويستلزمه، والا لم يطابق علمه الواقع وهو محال كما


الصفحة التالية
Icon