ج٤ص٣١٢
لإنسان بالتحفظ عنه أي بالامتناع عنه، وفي هذه الآية وعيد وتشديد لأنّ كل أحد قلما يخلص منها فلذا فيل إنها أشد آية نعت على الناس كما فصله في الكشاف. قوله :( مواقعها ) بقاف بعدها عين مهملة أي موضع المحاربة التي تقع فيه، وفي نسخة مواقفها بقاف بعدها فاء أي محل مصاف الحروب والوقوف لها وهما متقاربان. قوله :( وموطن يوم حتين الخ ( تبع في هذا ما وقع في الكشاف من أنّ ظرف الزمان لا يعطف على المكان ولا عكسه لأنّ كلا منهما يتعلق بالفعل بلا واسطة، وظاهر كلامه منعه مطلقاً، وظاهر كلام أبي على الفارسي ومن تبعه جوازه مطلقا كما في قوله :﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [ سورة هود، الآية : ٩٩ ] وقيل لا منع من نسق زمان على مكان وبالعكس إلا أنّ الأحسن أن يترك العاطف في مثله فقد علّمت أنّ للنحاة فيه ثلاثة مذاهب، وقال ابن المنير في البحر إنّ النحاة لم يعللوه وعلته أنّ الواو تقتضي الاشتراك في العامل، وفي جهة البعدي لأن جهة بعدي الزمان غير جهة بعدي المكان ونسبتهما مختلفة، وما قيل إنّ مراد الزمخشري إنه لا يجوز عطفه هنا لأنّ مواطن مجرورة بفي، ويوم منصوب على الظرفية فلو كان معطوفاً عليه لجر مدفوع بأنّ العطف هنا على المحل لا على اللفظ فوجود في لا يضرّ، وكذا كون ظرف الزمان ينتصب على الظرفية مطلقا، وظرف المكان يشترط فيه الإبهام لا دخل له في منع العطف وان توهمه بعضهم، فإن قلت كيف يقال زرتك في الدار- في يوم الخميس، ولا يجوز تعلق حر في جرّ بعامل واحد بمعنى واحد بدون تبعية فضلا عن أن يحسن قلت إذا اعتبر التغاير الاعتباري في العامل بالاطلاق والتقييد كما مرّ في كلما رزقوا منها من ثمرة فاعتبار التغاير الحقيقي في الطرفين أولى بالجواز، وهذه فائدة لم يذكروها في تلك المسألة، وقال النحرير : ليس المراد أنه ليس بينهما مناسبة مصححة للعطف فإنه ظاهر الفساد بل إن كلا منهما يتعلق بالفعل بلا توسط عاطف كسائر المتعلقات لا يعطف بعضها على بعض، وإنما يعطف على البعض ما هو من جنسه، ولا يتعلق به استقلالاً نحو ضربت زيداً وعمرا وصمت يوم الجمعة ويوم الخميس ونحوه، فلذا جعل من عطف المكان على المكان أو الزمان على الزمان بتقدير مضاف، أو بجعل المواطن اسم زمان قياسا وان بعد عن الفهم، ثم إنه في الكشاف أوجب انتصاب يوم حنين بمضمر، وهو نصركم وأنه من عطف الجمل لا! إذ بدل من يوم حنين فيلزم كون زمان الإعجاب بالكثرة ظرف النصرة الواقعة في المواطن الكثيرة لإيجاد الفعل، وليقيد المعطوف بما يقيد به المعطوف عليه، وبالعكس بحسب
الظاهر كاعجبني قيام زيد يوم الجمعة وقيام عمرو وعكسه، ويوم حنين متقيد بزمان الإعجاب بالكثرة لأنّ العامل ينسحب على البدل، والمبدل منه جميعا فكذا المواطن، واللازم باطل إذ لا إعجاب بالكثرة في المواطن فاندفع ما قيل إنما يلزم لو كان المبدل منه في حكم النتيجة مع العاطف ليؤول إلى نصركم في مواطن كثيرة إذ أعجبتكم، وليس كذلك إذ ما-له نصركم في مواطن واذ أعجبتكم، ثم إنه على ما في الكشاف منع ظاهر مرجعه إلى أن الفعل في المتعاطفين لا يلزم أن يكون واحدا بحيث لا يكون له تعدد أفراد كضربت زيد اليوم، وعمرا قبله وأضربه حين يقوم وحين يقعد إلى غير ذلك فلا يلزم من تقييده في حق المعطوف بقيد تقييده في حق المعطوف عليه بذلك، ولا نسلم إنّ هذا هو الأصل حتى يفتقر غيره إلى دليل، وأما ما يقال إنّ هذه النكتة تدفع أصل السؤال أيضا لأنّ الزمان إنما لم يعطف على المكان لو كان ذلك الفعل واحدا وليس بلازم لجواز تغاير الفعلين ففيه نظر اهـ وكله كلام منقح، وهو زبدة ما في شرح الكشاف إلا دفعه الإيراد المذكور بجعل البدل قيدا للمبدل منه فإنه لا وجه له، وهو تحامل على السائل غير مسموع. قوله :( ويجوز أن يقدّر في أيام مواطن ( هكذا هو في صحيح النسخ، ووقع في كثير منها، ويجوز أن يقدر مواطن أيام وهو سهو من الناسخ فيكون عطف يوم حنين على منوال ملائكته وجبريل كأنه قيل نصركم الله في أوقات كثيرة وفي وقت إعجابكم بكثرتكم الخ، ولا يرد عليه ما قيل إن المقام لا يساعد عليه لأنه غير وارد لتفضيل بعض الوقائع على بعض، ولم يذكر المواطن توطئة ليوم حنين كالملائكة إذ ليس يوم حنين بأفضل من يوم بدر وهو فتح الفتوح وسيد


الصفحة التالية
Icon