ج٤ص٣١٧
حتى يعطوها عن يد أي عن يد مؤاتية غير ممتنعة لأنّ من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد ولذلك قالوا أعطى يده إذا انقاد وأصحب، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عن الطاعة كما يقال خلع ربقة الطاعة عن عنقه، أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد ولكن عن يد المعطي إلى يد الآخذ، وأما على إرادة يد الأخذ فمعناه حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية، وعن إنعام عليهم لأنّ قبولها منهم، وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم، وقيل عليه إنه لا تقريب فيه ولا يصلح بياناً لعلاقة المجاز لأنّ أعطى يده وبيده بزيادة الباء، أو تعدية الإعطاء بالباء وبنفسه كما في الأساس ظاهر الدلالة على معنى
الإطاعة والانقياد بخلاف أعطى عن يد فإنه مبعد لجعل عن مزيدة أو بمعنى الباء، ورذ با! القصد إلى معنى السببية أي صادرا عن يد لإفادة من وعن والباء ذلك كما صرح به في قوله تعالى :﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ ﴾ في قراءة عكرمة، وأما على كونها يد الآخذ فاستعمال اليد في القدرة أو النعمة شائع فاعتراضه في التقريب بأنه لا دلالة على هذه الإضمارات ليس بشيء، والعجب ممن قال : بعد سماع ما ذكر من بيان مراد ا!زمخشري، وردّ ما أورد عليه عندي أنّ معنى عن يد صادرا عن انقياد بسببه فاليد بمعنى الانقياد والاستسلام كما صرّح به صاحب القاموس بعده في معانيها، وعن للسببية لأنّ صاحب المغني والزمخشري جعلاه ص معانيها فتبين أنه لا حاجة إلى ما تكلفه الزمخشري فإنه مع كونه مستغنى عنه بما قرّرناه يرد عليه اعتراض! صاحب التقريب فلم يدر أن ما قاله بعينه كلام الزمخشري فقد أتعب نفسه من غير فائدة. قوله :( أو عن يدهم بمعنى مسلمين ) يعني المراد به تسليمها بنفسه، من غير أن يبعث بها على يد وكيل أو رسول لأنّ القصد فيها التحقير وهذا ينافيه فلذا منع من التوكيل شرعا، وخالف الزمخشريّ في جعله مع أنه نقد غير نسيئة، وجهاً واحدا لما فيه من الجمع بين المعنى الحقيقيّ، وغيره فسلم مما يرد عليه. قوله :( أو عن غنى ( لأنّ اليد تكون مجازا عن القدرة المستلزمة للغنى، وهذا لم يذكره الزمخشري صريحا. قوله :) أو عن يد قاهرة ( على أن يكون المراد باليد يد الآخذ يعني أنّ المراد باليد القهر والقوّة فلو صرّج به لكان أظهر وأخصر، والمراد بالذلة في قوله إذلاء الذلة الظاهرة كوجء العنق والأخذ باللبب، ونحوه فلا يرد عليه إنه تكرار مع قوله وهم صاغرون كما قيل، وقوله :) عاجزين أذلاء ( توضيح للحالية من الفاعل. قوله :( أو عن إنعام عليهم الخ ( فاليد بمعنى الإنعام وتكون بمعنى النعمة أيضاً وابقاؤهم بالجزية أي عدم قتلهم والاكتفاء بالجزية نعمة عظيمة فاليد الآخذ، وهي عبارة عن إنعامه لا عن قدرته واستيلائه لما مرّ في قوله أو عن يد قاهرة، وفي بعض النسخ قوله أو عن إنعام مقدم على قوله أو من الجزية وهو أولى من تأخيره الواقع في بعضها فإنّ قوله أو عن إنعام الخ، مبني على أن يكون المراد باليد يد الآخذ كما في قوله أو عن يد قاهرة قيل ويجوز في الوجوه الأول كونه حالاً عن الجزية أي مقرونة بالانقياد، ومسلمة بأيديهم وصادرة عن غنى ومقرونة بالذلة وكائنة عن إنعام عليهم وبجوز في الأخير الحالية عن الضمير أي مسلمين نقداً، وقوله من الجزية معطوف على قوله من الضمير وجعله الزمخشري مع الثاني وجها واحدا وقد مرّ تحقيقه. قوله :( أذلاء الخ ) وجأه بالجيم والهمزة ضربه، ومجوس هجر مجوس توطنوا هجر بالتحريك وهي
بلدة باليمن يجوز صرفها، وعدمه وهذا من الزيادة على الكتاب والسنة وشبههم بأهل الكتاب لزعمهم أنّ لهم نبياً اسمه زرادشت، وقوله :( ويؤيده أنّ عمر رضي الله تعالى عنه الخ ) أخرجه البخاري ) ١ (، وقوله :( فلا تؤاخذ منهم الجزية ) هو مذهب الشافعي لأنّ قتال الكفرة واجب، وقد عرفنا تركه في أهل الكتاب بالكتاب، وفي المجوس بالخبر فبقي غيرهم على الأصل ولأبي حنيفة رحمه الله ما رواه الزهرقي ولأنه لما جاز استرقاقهم جاز ضرب الجزية عليهم، وتتمته في كتب الفقه، وقوله :" سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ( ٢ ( أي اسلكوا بهم طريقتهم، واجعلوهم مثلهم، وهو حديث أخرجه مالك في الموطأ والشافعي في الأم وما روي عن الزهري أخرجه عبد الرزاق عن معمر. قوله :( وأقلها في كل سنة دينار ) هو مذهب الشافعيّ رحمه الله، ومذهب أبي حنيفة ما ذكره والغنى هو الذي يملك أكثر من عشرة آلاف درهم