ج٤ص٣٦١
لكناية القبول عن إعطاء الثواب وحذف أداة التعليلى لأنه قياسيّ، وتقديمه على ما ذكر في تعليل قبوله للتقريب بين التعليل والمعلل مهما أمكن وقيل عليه إنه لا حاجة إلى الاعتذار عن حذف أداة التعليل لإمكان تقديرها في المعطوف عليه المقدر وكل ذلك من ضيق العطن. قوله :( فإنه لا يخفى عليه الخ ) يعني المراد بالرؤية الاطلاع عليه، وعلمه علما جليا مكشوفا له وعلمه كناية عن مجازاته، وأما جعل الرؤية حقيقية وأنه يرى المعاني فلا حاجة إليه لتكلفه، وإن كان بالنسبة إليه غير بعيد وقوله فإنه تعالى لا يخفى من الإخفاء أي لا يخفى ذلك عنهم بل يعلمهم به كما تبين لهم من تفضيح بعض وتصديق آخرين، وفي هذه الآية وعد ووعيد، ولذلك قيل إنها أجمع آية في بابها، وقوله بالمجازاة إشارة إلى أن الأنباء مجاز عن المجازاة أو كناية. قوله تعالى :( وسترذون إلى عالم الغيب والشهادة ) قال بعض المفسرين : الغيب ما يسرونه من الأعمال والشهادة يظهرونه كقوله تعالى :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [ سررة البقرة، الآية : ٧٧ ] فالتقديم لتحقيق أنّ نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده لا لإيهام أنّ علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يعلنون كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء وتحققه في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة، ورده بعض فضلاء العصر فقال : لا يخفى عليك انّ هذا قول يكون علمه تعالى حضوريا لا انطباعيا وحصوليأ وقد زيفوه وأبطلوه لشمول علمه تعالى للممتنعات، والمعدومات الممكنة والعلم الحضوري يختص بالموجودات العينية لأنه حصول المعلوم بصورته العينية عند العالم فكيف لا يختلف الحال فيه بين الأمور البارزة والكامنة مع أن الكامنة تشمل المعدومات ممكنة كانت أو ممتنعة ولا يتصوّر فيها التحقق في نفسها حتى تكون علما له تعالى، وتحقيق علمه الواجب بالأشياء من المباحث المشكلة والمسائل المعضلة، ولو أمسك هذا القائل عن
أمثال هذه المطالب لكان خيراً له إذ بالتفوه بأمثال هذه المزيفات، تبين أنه لم يحم حول ما تقرّر عندهم من التحقيقات، وقد حققناه في بعض تعليقاتنا بما لا مزيد عليه انتهى، وهذا ذهول عن مراده والذي أوهمه ما أوهمه قعاقع ألفاظه وتطويله بلا طائل كما هو عادته في التشبه بالحرائر. قوله :( وآخرون من المتخلفين الخ ) اختلف في المراد بآخرين هنا فقيل هم هلال بن أمية وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهو المروي في الصحيحين، والمنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وكبار الصحابة رضي الله عنهم ولم يكن تخلفهم عن نفاق ولا شك وارتياب كما في السير وإنما كان لأمر مع الهم باللحاق بهم فلم يتيسر ذلك فلما قدم النبيّ ﷺ، وكان ما مرّ من المعذرين قال : هؤلاء لا عذر لنا إلا الخطيئة، ولم يعتذروا له ﷺ فأمر المسلمين باجتنابهم فاجتنبوهم واعتزلوا نساءهم فنزلت يعني آية العفو عنهم وتعذيبهم إلى الله، وإنما اشتذ الغضب عليه مع إخلاصهم والجهاد فرض! كفاية لما نقل عن ابن بطال في الروض الأنف وارتضاه أنه كان على الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا النبيّ ﷺ عليه ألا ترى قول راجزهم في الخندق :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
وهؤلاء من أجلهم فكان تخلف هؤلاء كبيرة فإذا عرفت أن هؤلاء من كبار الصحابة رضوان الله عليهم وأنهم من المخلصين كما صرّحوا به فقول المصنف رحمه الله إن أصروا على النفاق لا ينبغي أن يصدر مثله عن مثله ومن قال : إنّ هذه الآية في المنافقين كما هو قول للحسن وغيره لم يفسره بهؤلاء، وما قيل إنّ كلامه محمول على ما يشبه النفاق فهو بعيد ودعوى بلا دليل. قوله :( مرجون بالواو الخ ) قرىء في السبعة مرجؤون بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنة وقرىء مرجون بدون همزة كما قرىء ترجى من تشاء بهما، وهما لغتان يقال أرجأته وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن تكون الياء بدلاً من الهمزة كقولهم قرأت وقربت وتوضأت وتوضيت وهو في كلامهم كثير وعلى كونه لغة أصلية فهو يائيّ، وقيل إنه واوي. قوله :( والترديد للعباد وفيه دليل على أن كلا الأمرين بإرادة الله تعالى ) يعني إما كأو لوقوع أحد الأمرين