ج٤ص٣٦٦
أنه لو كان جمعا لوصف باللاتي ونحوه لا بالذين لاختصاصه بالعقلا، وأما احتمال تقدير المضاف وجعله صفة له وكذا الخبر فخلاف الظاهر، ويكفي مثله في أدلة النحاة وفي المثل أضعف من حجة نحوي. قوله :( شكاً ونفاقا الخ ( أصل معنى الريب الشك وقد فسر به هنا، والمراد شكهم في بنوته ع!يرو الذي أضمروه وهو عين النفاق فلذا عطفه عليه للتفسير، ولما كان الحامل على البناء هو النفاق زادهم ذلك بهدمه نفاقا لشدة غيظهم قال الإمام رحمه الله : لما صار بناء ذلك البنيان سببا لحصول الريبة في قلوبهم جعل نفس ذلك البنيان ريبة، وفيه وجوه أحدها أنّ المنافقين عظم فرحهم ببنيانه فلما أمر بتخريبه ثقل عليهم وازداد غيظهم وارتيابهم في نبوّته لمجيرو، وثانيها أنه لما أمر بتخريبه خافوا فارتابوا هل يتركون على حالهم أو يقتلون، وثالثها أنهم اعتقدوا أنهم احسنوا بنيانه فلما هدم بقوا مرتابين في سبب تخريبه والصحيح هو الأوّل ورجح الطيبي الثاني بأنه أوفق للغة وريبتهم بالبناء كأنه سبب لهدمه فليس في الكلام مضاف مقدر والوسم السمة والعلامة وأصل معناه الكي. قوله :) بحيث لا يبقى لها قابلية الإدراك الخ ( أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطيع قلوبهم أو في كل حال إلا حال تقطيعها وهو كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك، وإضمار الشك بحيث لا يزول منها ما داموا أحياء إلا إذا قطعت ومزقت فحينئذ تخرج الريبد منها وتزول
والمبالغة في الريبة واضحة، وهذا على التصوير والفرض فلا تقطيع فيه، وعلى الوجه الذي بعد. فالتقطيع والتمزيق بالموت وتفريق أجزاء البدن فهو حقيقي، ويفيد لزوم الريبة ما دإموا أحياء، وعلى الثالث المراد إلا أن يتوبوا ويندموا ندامة عظيمة تفتت قلوبهم وأكبادهم فتقطيع القلب مجاز أو كناية عن شدة الأسف، والفرق بين الوجوه ظاهر لكنه قيل إياك أن تتوهم أنّ مراده بالأوّل ما في الكشاف من أنه تصوير لحال زوال الريبة عنها إذ ليى في كلامه ما يدل عليه، وكأنه لم يرض! به لأن احتمال الحقيقة في الوجه الثاني يمنع الحمل على التمثيل لأن المجاز مشروط بالقرينة وقد دفع بأن جعل الكلام محتملاً للحقيقة، والمجاز في كلامهم كثير ومبناه على أن القرينة لا يجب أن تكون قطعية بل قد تكون احتمالية فإن اعتبرت جعل مجازآ
- والا جعل حقيقة وكناية ومن لا يسلمه قال يتعين هنا أنه كناية ولا يخفى أنه ليس في كلام المصنف رحمه الله ما يخالف كلام الكشاف حتى يقال إنه لم يرتضه ومثله من التكلفات الباردة. قوله :( تقطع ) أي في هذه القراءة بفتح التاء وأصله تتقطع فحذفت إحدى التاءين وقراءة الياء لإسناده إلى الظاهر وتقطع بالتخفيف، وهو مجهول الثلاثي وتقطع بالتاء ونصب قلوبهم، والضمير للخطاب أو للريبة وقطعت بفتح القاف والتاء في المبني للفاعل وبضم القاف وسكون التاء في المجهول. قوله :( تمثيل لإثابة الله إياهم الخ ( في الكشاف ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن، ولا أبلغ من هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عاقده رب العزة، وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضأ لإعلاء كلمته ونصر دينه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية، وناهيك به من صك وجعل وعده حقاً، ولا أحد أوفى من واعده فنسيئته أقوى من نقد غيره وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم، وهو استعارة تمثيلية صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه، واثابة الله لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء وأتى بقوله يقاتلون الخ بيانا لمكان التسليم، وهو المعركة هاليه الإشارة بقوله ﷺ :" الجنة تحت ظلال السيوف " ) ١ ( ثم أمضاه بقوله ذلك هو الفوز العظيم، ولما في هذا من البلاغة واللطائف المناسبة للمقام لم يلتفتوا إلى جعل
اشترى وحده استعارة أو مجازا عن الاستبدال، وان ذكروه في غير هذا الموضع لأنّ قوله :﴿ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ﴾ يقتضي إنه شراء وبيع وهذا لا يكون إلا بالتمثيل ومن غفل عنه، قال إنه تركه وهو جائز أيضا، ومنهم من جوّز أن يكون معنى اشترى منهم أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم بالبذل فيها، وجعل قوله يقاتلون مستأنفاً لذكر بعض ما شمله الكلام اهتماما به. قوله :( استئناف ببيان ما لأجله الشراء ) يعني لما قال اشترى الخ كأنه قيل لماذا فقيل ليقاتلوا في سبيله، وليست المقاتلة