ج٥ص١٠٥
إليه، وأن يكون إشارة إلى أنه مستعمل فيه مجازاً، كما مرّ في أوّل السورة والأوّل أولى. قوله :( وأيضاً التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان الخ ( في الكشاف قيل : استغفروأ ربكم آمنوا به، ثم توبوا إليه من عبادة غيره، لأن التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان، فعلى هذا الاستغفار كناية عن الإيمان لأنه من روادفه، والتصديق بالله لا يستدعي الكفر بغيره لغة، فلذا قيل : ثم توبوا، وإنما قال قيل : إشارة إلى أنّ الوجه ما مرّ في أوّل السورة، لأنّ قوله :﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾ دل على اختصاصه تعالى بالعبادة كما مرّ، فلو حمل استغفروا على هذا لم يفد فائدة زائدة سوى ما علق عليه من قوله تعالى :﴿ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴾ الخ وقد كان يمكن تعليقه بالأوّل، والحمل على غير الظاهر، مع قلة الفائدة مما يجب الاحتراز عنه في كلام الله المعجز، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو بعينه ما في الكشاف، لأنّ التبرؤ عن الغير لا يصح حمله على ظاهره إذ لم يتبرؤوا من نبيهم ولا من المؤمنين فمن ظنه كذلك، وقال : إنما يرد على الزمخشريّ لا يرد عليه، وجوّز أن يكون هذا وقع في مجلس آخر غير متصل بالأوّل فقد ارتكب شططا، ثم إنه قيل : إنّ التبرؤ عن الغير هو التبرؤ التفصيلي ليظهر التراخي، وعبر عن التوبة بالتبرؤ لأن الرجوع إلى الله يلزمه ترك التوجه إلى غيره، والا لم يكن رجوعا إليه فتأئله، وقوله كثير الدر أي الأمطار، وقوله :﴿ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ أي مضمومة إليها، وقيل : إلى بمعنى مع وإذا انضمت القوّة إلى أخرى فقد ضوعفت، ولذا فسره به. قوله :( رغبهم بكثرة المطر الخ ) المراد بزيادة القوّة قوّة الجسم وأصحاب زروع وعمارات، أي أبنية وهو لف ونشر مرتب، فالزروع ناظر للأمطار، والعمارات للقوّة، وقوله : وتضاعف القوّة بالتناسل لأنهم يحصل لهم قوّة بأولادهم، أو لأنه ناشئ عن قوّة البدن، وقوله : مصرين،
وقيل : المعنى مجرمين بالتولي وهو تكلف. قوله :( صادرين عن قولك الخ ) في الكشاف كأنه قيل : وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك، فقيل عليه إنّ هذه كالتي في قوله :﴿ أَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٣٦ ] للسببية أي وما نحن بتاركي آلهتنا بسبب قولك، وحقيقته ما يصدر ترك لآلهتنا عن قولك، فهو ظرف لغو متعلق بتاركي، والمصنف رحمه الله تعالى جعله مستقرّا حالاً، وقدره صادرين عن قولك، وهو إما من صدر صدورا بمعنى وقع ووجد، أو من صدر صدراً بمعنى رجع، والأوّل باطل لأنهم ليسوا موجودين عن قوله، وكذا الثاني لأنّ الرجوع عن القول لا يتصوّر إلا إذا كانوا قائلين له ولم يكونوا كذلك أصلاً، فالصواب مصدرين الترك عن قولك ( قلت ) هذا كما ورد في الحديث، وكلام العرب لا يصدر إلا عن رأيه وهو من الصدر بمعنى الرجوع عن الماء القابل للورد، فإنّ الورد والصدر يجعل كناية عن العمل والتصرّف، لأنهم أرباب سفر وبادية، وذلك جل أمرهم، ولذا قال معاوية رضي الله تعالى عنه طرقتني أخبار ليس فيها إصدار وايراد وقال :
ما أمس الزمان حاجاً إلى من يتولى الإيراد والإصدارا
أي يتصرف في الأمور بصائب رأيه، وكما تال بعض البلغاء : إنّ أمير المؤمنين نطق بلسانك وأعطى وأخذ بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك، ولما كان الصدر مستلزما للورد اكتفوا به، فقالوا لا يصدر عن رأيه، فالمعنى ما نحن بتاركي آلهتنا عاملين بقولك، وهو تقدير للمتعلق بقرينة عن، والمقدّر كناية لا تضمين، ولذا قال : في الكشف لم يحمله على التضمين كما في قوله : فأزلهما الشيطان عنها لأنّ المضمن هو المقصود، والترك هاهنا هو مصب الفائدة، ومن لم يدر هذا قال : صادرين بمعنى معرضين وهو صريح في التضمين لكنه جعل المضمن حالاً، والمضمن فيه أصلا مع رجحان العكس لأنّ المضمن هو المقصود غالبا لكون الترك هاهنا مصب الإفادة فنبه بذلك على أنه قد يختار خلافه لعارض، وقصد به الرد على ما في الكشف تبعاً لغيره. قوله :( حال من الضمير في تاركي ( وإذا وقع في الكلام المنفيّ قيد فالنفي منصب عليهما أو على القيد فقط، وهو الأكثر أو على المقيد فلا يكون النفيّ للقيد وهو قليل، وهنا قد انتفى القيد والمقيد معا لأنهم لا يتركون آلهتهم ولا يعلمون بقوله، وقيل إنه قيد للنفي والمعنى انتفى تركنا عبادة آلهتنا معرضين عن قولك فلا يلزم محذور، وبتفسير صادرين بمعرضين اندفع ما أورده العلامة ولو أبدل صادرين بمعرضين لئلا يرد عليه