ج٥ص١٠٦
شيء ويظهر كونه جوابا لقوله لا تتولوا أي معرضين عن قولك المجرّد عن حجة لكان أظهر وأولى، وقد علمت أنه غفلة عن المراد. قوله تعالى :) ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ ) في الكشاف، وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا
مثلك فيما يدعوهم إليه إقناطا له من الإجابة لأنهم أنكروا الدليل على نبوّته رسول الله ﷺ، ثم قالوا مؤكدين لذلك إنا بمجرّد قولك لا نترك آلهتنا، ثم كرروا ما دل عليه الكلام السابق من عدم إيمانهم بالجملة الاسمية مع زيادة الباء، وتقديم المسند إليه المفيد للتقوّى دلالة على أنهم لا يرجى منهم ذلك بوجه من الوجوه فدلّ على اليأس والإقناط. قوله :( ما نقول إلا قولنا اعتراك الخ ) يعني أنه استثناء مفرّغ وأصله أن نقول لحولاً إلا قولنا هذا فحذف المستثنى منه وحذف القول المستثنى، وأقيم مقوله مقامه أو اعتراك هو المستثنى لأنه أريد به لفظه وذكر لفظ قولنا لبيان أنّ المراد به لفظه، وليس مما استثنى فيه الجملة وهو بيان لسبب ما صدر عن هود عليه الصلاة والسلام بعد ما ذكروا عدم التفاتهم لقوله، واعتراك بمعنى أصابك من عراه يعروه، وأصله من اعتراه بمعنى قصد عراه وهو محله وناحيته، ومعناه خبله وأفسد عقله وباء بسوء للتعدية. قوله :( بجنون الخ ( يعني أنه المراد بالسوء، وقوله من ذلك أي ولأجل ذلك، والهذيان معروف، والخر ) فات جمع خرافة بتخفيف الراء وقد موّ تفسيرها وأنّ الزمخشري نقل فيها التشديد، وهي الغريب من القول الذي لا حقيقة له وهي منقولة من علم رجل إلى هذا المعنى، وقوله والجملة مقول القول أي القول المقدر قبل إلا أو بعدها على ما مرّ من الوجهين فيه يريد أن انتصابه بالقول لا بإلا وفي نسخة بدل مقول القول مفعول القول، وهما بمعنى. قوله :( وإلا لغو لأنّ الاستثناء مفرّغ ) المراد بلغويتها عدم عملها لا زيادتها لأنّ المفزغ بحسب ما قبله من العوامل، وهذا مبنيّ على أن العامل في غير المفرّغ إلا على اختلاف فيه مفصل في النحو، ومقالتهم الحمقاء من الإسناد المجازي أي الأحمق قائلها، وأني بريء تنازع فيه الفعلان وقوله فكيدون ظاهر تقرير المصنف رحمه الله تعالى أن الخطاب لقومه، ويفهم منه حال آلهتهم بالطريق الأولى، وقال الزمخشري : أنتم وآلهتكم، وهو أولى وجميعا حال من ضمير كيدوني وقوله من آلهتهم إشارة إلى أن ما موصولة والعائد محذوف وهو المناسب لكونه جوابأ لقولهم اعتراك لعدم مبالاته بها وبإضرارها كما أشار إليه بقوله وفراغه الخ. والمراد فراغ ذهنه وخلوّه عن تصوّره لأنّ عدم ذلك مفروغ عنه ضرورقي، ومن دونه متعلق بتشركون يعني تشركون به ما لم يجعله شريكا كقوله :﴿ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ وقوله :﴿ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ [ سورة الشورى،
الآية : ٢١ ] لا حال إذ لا فائدة في التقييد به وقوله تأكيدأ لذلك أي للبراءة وتذكيره لتأويله بأن والفعل أو بالمذكور ونحوه وافادته التأكيد لأنّ شهد اللّه ونحوه كالقسم في إفادة التأكيد والتحقيق وقوله وأمرهم معطوف على أشهد أي بأن أشهد وأمر وفيه إشارة إلى التنازع، وقوله وأن يجتمعوا في نسخة وأن يجمعوا وهو معطوف على بأن أشهد وهو ظاهر في أن الخطاب للقوم كما مز، قيل : وهو أظهر مما سلكه الزمخشري لأنه سلك في نفي قدرة الآلهة على ضره طريقا برهانياً فلا يناسبه الطلب منها وحتى إذا الخ غاية للاجتماع، وأن يضروه متعلق بعجزوا ولا يضر صفة جماد ولا تتمكن خبر أن، وفي نسخة بالواو فالخبر لا تضر وهو معطوف عليه. قوله :( وهذا من جملة معجزاته الخ ) كون تثبيطهم بمعنى تأخيرهم وتعويقهم معجزة إنما هو بملاحظة كونه بعصمة الله إذ كان واحداً أغضب كثيرين حرّاصا على قتله فأمسك الله عنه أيديهم وكفهم والا فمجزد التأخير ليس كذلك ( فإن قلت ( كيف عطف اشهدوا وهو إنشاء على الخبر ) قلت ( أمّا من جوزه فلا يشكل عليه، وأمّا من منعه فيقدر له قولاً أي وأقول اشهدوا واشهاد الله يحتمل الإنشاء أيضا وان كان في صورة الخبر وإنما غاير بين الشهادتين لاختلافهما فإنّ الأوّل إشهاد حقيقة مقصود بذكره التأكيد، والثاني المقصود به الاستهزاء والإهانة كما يقول الزجل لخصمه إذا لم يبال به أشهد عليّ أني قائل لك كذا، وقول المصنف رحمه الله تعالى أمرهم بناء على ظاهر الحال أي أتى بصيغة الأمر لهم فلما لم يكن حقيقة عبر عنه بالأمر لأنه يرد كثيراً للاستهانة والتهديد وإن احتمل أن يكون إشهاده لهم حقيقة لإقامة الحجة عليهم، وعدل عن الخبر فيها تمييزاً بين الخطابين فهو


الصفحة التالية
Icon