ج٥ص١٠٨
تعالى تعذيب المطيع، وترك قول الزمخشريّ بسبب الإيمان لما فيه من رائحة الاعتزال، ولما إن كانت لمجرّد الحين فظاهر والا فوجه الترتب على النزول قيل إنه لأن الإنجاء يعتمد نزوله، وفيه نظر، والظاهر أن يقال ترتبه عليه باعتبار ما تضمنه من تعذيب الكفار فيكون صرح بالإنجاء اهتماما، ورتب باعتبار الآخر إشارة إلى أنه مقصود منه. قوله :) وكانوا أربعة آلاف ) هذأ فيه مخالفة لما تقدم من أنه كان وحده، ولذا عذ مواجهته وحده للجم الغفير معجزة له ﷺ كما مز فحينئذ يجوز أن يكون هؤلاء معه حين المحاجة ودعوى انفراده عنهم إذ ذاك لا بد لها من دليل، ولا مانع من جعل هذا باعتبار حالين وزمانين فتأمّل. قوله :( تكرير لبيان ما نجاهم منه ) حاصله أنه لا تكرير فيه لأن الأوّل إخبار بأن نجاتهم برحمة الله، وفضله والثاني بيان لما نجوا منه وأنه أمر شديد عظيم لا سهل فهو للامتنان عليهم وتحريض لهم على الإيمان، وليس من قبيل أعجبني زيد وكرمه كما قيل أو هما متغايران فالأوّل إنجاء من عذاب الدنيا، والثاني من عذاب الآخرة فرجح الأوّل بملاءمته لمقتضى المقام، وقوله لبيان اللام للتعليل لأصله تكرير وقد أورد على الثاني أن إنجاءهم منه ليس في وقت نزول العذاب في الدنيا، ولا مسبباً عنه إلا أن يجاب بأنه عطف على المقيد والقيد كما قيل في قوله :﴿ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [ سورة سبأ، الآية : ٣٠ ] وقد مرّ تحقيقه، ولا يخفى ما فيه من التكلف من غير داع لأن الموافق للتعبير بالماضي المفيد لتحققه حتى كأنه وقع أن يجعل باعتبار ذلك واقعاً في وقت النزول تجوزاً، والمعنى حكمنا بذلك لهم وتبين لهم ما يكون لهم
لأن الدنيا أنموذج الآخرة مع أن في كلام المصنف إشارة إلى أن المعنى نجيناهم في الدنيا كما سننجيهم في الآخرة فتامل، والمراد بالغلظ تضاعفه. قوله :( أنت اسم الإشارة باعتبار القبيلة ) فالإشارة إلى ما في الذهن وصيغة البعيد لتحقيرهم أو لتنزيلهم منزلة البعيد لعدمهم، وإذا كانت لمصارعهم وقبورهم فالإشارة للبعيد المحسوس والإسناد مجازي أو هو من مجاز الحذت أي تلك قبور عاد أو أصحاب تلك عاد. قوله :( كفروا بها ) هذه الجملة كالتفسير لما قبلها وأشار بتفسيره إلى أن جحد متعد بنفسه، وقد عدى بالباء حملا له على الكفر لأنه المراد أو بتضمينه معناه كما أن كفر جرى مجرى جحد فتعدى بنفسه في قوله كفروا ربهم وقيل كفر كشكر يتعدى بنفسه، وبالحرف وظاهر كلام القاموس إن جحد كذلك أي كفروا بالله، وأنكروا آياته التي في الأنفس والآفاق الدالة على وجوده فكأنهم كانوا منكرين للصانع لا مشركين. قوله :( ومن عصى رسولاً فكأنما عصى الكل الخ ( هذا بالنسبة إلى التوحيد لأن الكل متفقون عليه فعصيان واحد عصيان للجميع فيه، أو لأنّ القوم أمرهم كل رسول بطاعة الرسل إن أدركوهم والإيمان بهم لا نفرق بين أحد من رسله فالضمير في لأنهم للقوم، وأمروا مبني للمجهول ويجوز أن يكون الضمير للكل وأمروا على صيغة المعلوم أي كل نبي أمر قومه بذلك، وقوله من عند بتثليث النون، وعنوداً مصدر بضم العين وأصل معنى عند اعتزل في جانب لأن العند الجانب ومنه عند الظرفية. قوله :( أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين الخ ( يعني أن الكلام على التمثيل بجعل اللعنة كشخص تبع آخر ليدفعه في هوّة قدامه فالمتبعون قدامهم الجبارون أهل النار، وخلفهم اللعنة والثبور وضمير اتبعوا إما لعاد مطلقا أو للمتبعين للجبارين منهم فتعلم لعنة غيرهم بالطريق الأولى، وتكبهم تلقيهم على وجوههم. قوله :( جحدوه الخ ) كأنه إشارة إلى ما مرّ من أن تعديته بنفسه لإجرائه مجرى جحداً، وهو من كفران النعمة وهو متعد بنفسه ففي الكلام مضاف مقدر أو هو على الحذف والإيصال. قوله :( دعاء عليهم بالهلاك الخ ) قد مرّ تحقيق البعد ودلالته على الهلاك، وأنه حقيقة أو مجاز- قيل ويجوز أن يكون دعاء باللعن كما في القاموس البعد والبعاد اللعن، ولا وجه لما قيل إنه من المزيد، وقوله والمراد الخ يعني أنهم
كانوأ قبل أن يهلكوا مستأهلين لهذا ومثله كثير في كلام العرب كقوله :
لايبعدن قومي الذين هم سمّ العداة وآفة الجزر
واللام للبيان كما في قولهم سقياً له لا للاستحقاق كما قيل : والذي حمله عليه قوله كانوا مستوجبين وقد علمت أن