ج٥ص١٠٩
معناه أنه تأويل للذعاء فإنه لا معنى له بعد الوقوع فلذا أولوه بأن المراد منه أنهم مستوجبون لذلك، وقوله تفظيعاً لأمرهم ناظر إلى إعادة ذكرهم وقوله، وحثا نظار لتكرير ألا. قوله :( وفائدثه تمييزهم عن عاد الثانية الخ ) يعني أنه إشارة إلى أن عادا كانوا فريقين عادا الأولى وعادا الثانية فيكون إفادة لذلك لا لدفع اللبس هنا حتى يرد عليه ما قيل إنه ضعيف لأنه لا لبس في أن عادا هدّه ليست إلا قوم هود عليه الصلاة والسلام للتصريح باسمه وتكريره في القصة، وقيل المراد تأكيد تمييزهم، وقيل : ذكر للفواصل أو ليفيد مزيد تأكيد بالتنصيص عليهم، وارم سيأتي تفسيرها. قوله :( هو كوّنكم منها لا غيره الخ ) قالوا إنه أخذ الحصر من تقديم الفاعل المعنوي مثل أنا قضيت حاجتك واعتبره الزمخشري في هذا وفي قوله استعمركم فيها أيضا والمصنف رحمه الله سكت عنه اكتفاء ببيان هذا عنه لا أنه عطف بعد اعتبار التقديم فلا ينسحب على ما بعده لأن الأول أنسب بالمقام، وقد يقال الحصر مستفاد من السياق لأنه لما حصر الإلهية فيه اقتضى حصر الخالقية أيضا فبيان ما خلقوا منه بعد بيان أنه الخالق ا!بر لا غيره يقتضي هذا وبيان إنشائهم من الأرض والتراب بأن المراد خلقهم منها بالذات أو بالواسطة أو أنهم خلقوا من النطف والنطف من الغذاء الحاصل من الأرض، وقد مرّ في الأنعام أنّ المعنى ابتدأ خلقكم منها فإنها المادّة الأولى، وآدم الذي هو أصل البشر ﷺ خلق منها أو خلق أباكم فحذف المضاف. قوله :( عمركم فيها واستبقاكم الخ ) العمازة قال الراغب : نقيض الخراب يقال عمر أرضه يعمرها عمارة فهي معمورة وأعمرته الأرض واستعمرته فوضت إليه العمارة، وقال : استعمركم فيها والعمر مدة عمارة البدن بالحياة والروح، وهو دون البقاء ولذا وصف به الله دون هذا، والعمر والعمر واحد وخص بالقسم المفتوح ويقال عمرت المكان وعمرت به بمعنى أقمت والعمرى في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمره كالرقبى، وتخصيص لفظه تنبيه على أن ذلك شيء معار انتهى فقوله عمركم بالتشديد من العمر، وأما العمارة ففعلها مخفف يشير إلى أنه يجوز أخذه من العمر وهو مدة الحياة. قوله :( أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها ) هذا هو الوجه الثاني على أنه من العمارة، ومعناه أنه جعلكم قادرين على ذلك وأمركم بها فالسين للطلب على حقيقتها ولذا عطفه عليه، وذكر القدرة توطئة له وعلى الأوّل لا طلب فيه كما أنه على تفسيره بجعلكم عمارها الاستفعال فيه بمعنى الأفعال.
قوله :( وقيل هو من العمرى ) بضم فسكون مقصور وقد تقدم تفسيرها وهل هي هبة أو عارية تفصيله في الفروع واستدل الكسائيّ رحمه الله تعالى بهذه الآية على أن عمارة الأرض! واجبة لطلبها منهم وقسمها في الكشاف إلى واجب كالقناطر اللازمة والمسجد الجامع ومندوب كالمساجد ومباح كالمنازل وحرام كما يبنى من مال حرام وقد كان هؤلاء أعمارهم طويلة إلى الألف مع ظلمهم فسأل اللّه نبيّ لهم عن سبب تعميرهم فقال الله إنهم عمروا بلادي فعاس فيها عبادي يعني لأنهم عمروا البلاد بحفر الأنهار وغرس الأشجار فطولت لهم الأعمار كما قال الشاعر :
ليس الفتى بفتى لايستضاءبه ولا يكون له في الأرض آثار
وقال آخر :
إن آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
وفوله ويرثها منكم أي يرثها من بعدكم الله لأنه خير الوارثين. قوله :( أو جعلكم معمرين دياركم الخ ) هذا على كونه من العمري أيضاً وهو ما في الكشاف حيث قال الثاني أن يكون بمعنى جعلكم معمرين دياركم فيها لأنّ الرجل إذا ورث داره من بعده فكأنما أعمره إياها ليسكنها عمره، ثم يتركها لغيره، وقد قيل عليه إن ما في الكشاف أن معنى استعمركم جعلكم معمرين بوزن اسم الفاعل من أعمره، وقوله المصنف تسكنونها مدة عمركم يقتضي أن معمرين على صيغة المفعول فإن أردت حمل كلامه على ما في الكشاف جعلت الأعمار مفهوما من قوله، ثم تتركونها لغيركم لأن تركها للغير وتوريثها إياه بمنزلة الأعمار لذلك الغير حيث يسكنها هو أيضا مدة عمره، ثم يتركها لغيره، ولك أن تقول مراد المصنف رحمه اللّه


الصفحة التالية
Icon