ج٥ص١١٦
منصوب على الاختصاص فيفيد المدح أيضاً وباب الاختصاص منقول من النداء فجعله منه باعتبار الأصل، ولم يجعله نداء أصليا كما في الكشاف لفوات معنى المدح المناسب للمقام، ولأن مثل هذا التركيب شاع استعماله لقصد الاختصاص وباب الاختصاص وأحكامه مفصلة في كتب النحو فانظره. قوله :( فاعل ما يستوجب به الحمد ) فحميد فعيل بمعنى مفعول أي مستوجب للحمد مستحق له لما وهبه من جلائل النعم فلا يبعد أن يعطي الولد بعد الكبر، وهو تذييل حسن لبيان أنّ مقتضى حالها أن تحمد مستوجب الحمد المحسن إليها بما أحسن وتمجده إذ شرفها بما شرّف. قوله :( كثير الخير والإحسان ( هذا أحد معانيه من مجدت الإبل رعت حتى شبعت ويكون بمعنى الشرف وهو قريب منه، وقوله أي ما أوجس من الخيفة لأنّ الروع هو الخوف الواقع في القلب، وأما الروع بالضم فهو النفس لأنها محل الروع ففرق بين الحال والمحل، وفي الحديث :" إن روح القدس نفث في روعي " واطمأن قلبه بيان لذهاب الروع، وقوله بعرفانهم أي اطمئنانه بسبب عرفان أنهم ملائكة أتوا لما ذكر، وقوله بدل الروع أي إنه تبدل خوفه بالسرور والبشارة. قوله :( يجادل رسلنا الخ ) يعني أنّ مجادلة الرسل نزلت منزلة مجادلة الله فهو مجاز في الإسناد، وحمله عليه للتصريح به في سورة العنكبوت، وأنّ المجادلة وان كان المراد بها السؤال لا يناسب نسبتها إلى الله، ومجادلته فسروها بقوله أن فيها لوطا عليه الصلاة والسلام، وهو من المؤمنين فكيف يحل بهم ذلك وللقصة تفصيل في الكشاف اقتصر منها المصنف رحمه الله على المتيقن الواقع في النظم، وعذ هذا مجادلة لأنّ ماكه كيف يهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحق للعذاب، ولذا أجابوه بقولهم لننجينه الخ. قوله :) وهو إما جواب لما ( دفع لأن لما لما مضى فذكر المضارع بعدها ما وجهه فوجهه بأنه
ماض عبر عنه بالمضارع لحكاية الحال، وأصله جادلنا أو أنّ لما كلو تقلب المضارع ماضيا كما أن إن تقلب الماضي مستقبلاً، وقوله أو لأنه ضميره ليجادلنا، أو الجواب محذوف كما تذره وهذه جملة مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانياً تدل عليه، وقوله أو دليل عطف على قوله جواب لما. قوله :( أو متعلق به أقيم مقامه ) وفي نسخة مقام مقامه الخ وهذا الوجه آثره الزجاج ولكنه جعله مع حكاية الحال وجها واحداً لاً نه قال إنّ الكلام إذا أريد به حكاية حال ماضية قدر فيه أخذ أو أقبل لأنك إذا قلت قام زيد دل على فعل ماض، وإذا قلت أخذ زيد دل على حالة ممتدة بذكر أخذ أو أقبل وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للكشاف هما وجهان وتحقيقه كما في الكشف أنه إذا أريد بما ذكر استمرار الماضي فهو كما ذكره الزجاج، وان أريد التصوير المجرّد فلا يكون وجهاً آخر ويجادلنا على هذا حال من فاعل الجواب المحذوف. قوله :( غير عجول على الانتقام من المسيء إليه ) وصفه بما ذكر من الصفات بيانا لأنه كان رقيق القلب شفوقا فلذا أحب ترك نزول العذاب عليهم رجاء لرجوعهم، ولما كان الحلم لا يتصور في إساءة الغير قيده بقوله إليه ولا يضره كون السياق في إساءة قوم لوط عليه الصلاة والسلام كما توهم حتى قيل الأولى تركه لأنّ هذه الصفات عبارة عن الشفقة ورقة القلب كما ذكره المصنف رحمه اللّه، ورجاء توبتهم لا ينافيه إخبار الملائكة عليهم الصلاة والسلام بتحتم تعذيبهم لأنه كان قبل بيان ذلك لكن كون ذلك لكون لوط فيهم أولى، وقوله من الذنوب ذكره لبيان حقيقة الحال، وقوله راجع إلى الله أي في كل ما يحبه ويرضاه ولذا سأله دفع العذاب ودلالة الكلام على ما ذكر أما حليم وأوّاه فظاهر، وأما منيب فإن كان بمعنى رجوعه إلى الله في دفع العذاب فكذلك، وإلا فلأنّ شأن التائب ذلك. قوله :( على إرادة القول ) وتقديره ليرتبط، وقيل إن المراد اعتبار معناه دون تقديره في النظم لا وجه له. قوله تعالى :( ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ ) أي قدره المقضي، ومجيء القدر المقدر عليهم لا يقتضي وقوعه، وقيل أراد به المشارفة أي شارف المجيء والا لم يجىء بعد وفسر الأمر بما ذكر، ولم يفسره بالعذاب أو بالأمر به كما فسره في قوله ولما جاء أمرنا نجينا هوداً لئلا يتكرر مع قوله آتيهم عذاب غير مردود كذا قيل، وأورد عليه أنه مشترك الإلزام لأنّ مجيء القدر بالعذاب يغني عنه أيضا والتكرار مدفوع بأنه توطئة لذكر كونه غير مردود، وعلى


الصفحة التالية
Icon