ج٥ص١٣٨
إلا ثلاث ساعات جاز أن يكون ذللى الزمان الواقع فيه عدم المكث من أوّله ومن آخره، وأورد عليه أنّ الخلود إنما هو بعد الدخول فكيف ينتقض بما سبق على الدخول كيف، وقد تقدم قوله في الجنة فلذا استصوب حمل الأؤل على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والثاني على ما لأهل الجنة من غير نعيمها مما هو أكبر منه، ولذا عقب بقوله عطاء غير مجذوذ، وهو كالقرينة على أنه أريد به خلاف ظاهره فلا يختل النظم باختلاف الاستثناءين، والمبدأ المعين هنا دخول أهل النار في النار، ودخول أهل الجنة في الجنة وهو معلوم من السياق، والمقام فلا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه ليس هنا مبدأ معين أو هو من قوله يوم يأتي. قوله :) وهؤلاء وإن شقوا الخ ( إشارة إلى أنهم داخلون في الفريقين باعتبار الصفتين فصح إرادتهما بالاستثناءين فلا يقال الثاني في السعداء، وهم ليسوا منهم، ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر. قوله :) ولا يقال فعلى هذا لم يكن الخ ) جواب عما ورد من أنّ العصاة دخلوا في القسمين، والاستثناء فيهما راجع إليهم باعتبار الابتداء، والانتهاء على ما ذكرت فكيف يصح هذا التقسيم مع عدم التمانع فدفعه بأنّ التقسيم لمنع الخلوّ فقط، وأن أهل الموقف لا يخلون من القسمين، وليس لمنع الجمع، والانفصال الحقيقي حتى يرد ما ذكر، وتقابل الحكمين لا يدل على تقابل القسمين نعم هو الظاهر منه. قوله :( أو لأنّ أهل النار ) معطوف على قوله لأنّ بعضهم، وهذا ما اختاره
الزمخشري من أن الاستثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة بناء على مذهبه من تخليد العصاة، وهو في أهل النار ظاهر لأنهم ينقلون من حرّ النار إلى برد الزمهرير وردّ بأنّ النار عبارة عن دار العقاب كما غلبت الجنة على دإر الثواب، وقال بعض المفسرين : ليس في هذا نقل عن أحد من المفسرين، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وأجيب عنه بأنا لا ننكر استعمال النار فيها تغليبا أمّا دعوى الغلبة حتى يهجر الأصل فلا ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ نَارًا تَلَظَّى ﴾ [ سورة الليل، الآية : ١١٤ نارا ﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [ سورة البفرة، الآية : ٢٤، وكم وكم وأفا رضوان الله تعالى عن أهل الجنة، وهم فيها فيأبى الاستثناء كيف، وقوله خالدين فيها لا يدل بظاهره على أنهم ينعمون فيها فضلا عن انفرادهم بتنعمهم بها إلا أن تخص الجنة بجنة الثواب وهو تخصيص من غير دليل، وأورد عليه أن عدم هجر الأصل علم من الوصف بالتلظي، والوقود في الآيتين والتقابل في النار هنا يعضد أنه هجر فلا يرد ما ذكر نقضاً. قوله :( أو من أصل الحكم الخ ) عطف على قول في الخلود في أوّل كلامه المراد بأصل الحكم قوله في النار، والأصلية مقابلة للفرعية التي للمستثنى منه في الأوّل، وهو الحال أعني خالدين أوّ لأنّ الخلود فرع الدخول، والاستثناء في هذا الوجه مفرّغ من أعمّ الأوقات المحذوف، وما على أصلها لما لا يعقل، وهو الزمان، والمعنى فأمّا الذين شقوا ففي النار في كل زمان بعد إتيان ذلك اليوم إلا زمانا شاء الله فيه عدم كونهم فيها، وهو زمان موقف الحساب، وأورد عليه أنّ عصاة المؤمنين الداخلين النار إمّا سعداء فيلزم أن يخلدوا في الجنة فيما سوى الزمان المستثنى، وليس كذلك أو أشقياء فيلزم أن يخلدوا في النار، وهو خلاف مذهب أهلى السنة، وأيضا تأخيره عن الحال على هذا لا يتضح إذ لا تعلق للاستثناء به، وقد يدفع بأن القائل بهذا يخص الأشقياء بالكفار، وبالسعداء بالأتقياء، وبكون العصاة مسكوتا عنهم هنا فلا يرد عليه شيء إن كان من أهل السنة فإن كان من المعتزلة فقد وافق سنن طبعه، وسيأتي جواب آخر للمعترض، وأمر التقديم سهل. قوله :) أو مدّة لبثهم في الدنيا والبرزخ الخ ( معطوف على قوله زمان توقفهم أي المستثنى المفرّغ من أعمّ الأوقات هذه المدة إن لم يقيد الحكم بقوله يوم يأتي، وهو يوم الجزاء فإنه متعلق بتكلم، والحكم المذكور متفرّع عليه فيتقيد به معنى، وعلى هذا يقطع النظر عنه فالمعنى هم في النار جميع أزمان وجودهم إلا زمانا شاء الله لبثهم في الدنيا، والبرزخ، والمراد مع زمان الموقف لأنهم ليسوا في زمانه في النار إلا أن يراد بالنار العذاب فظاهر مطلقا لكنهم معذبون في البرزخ أيضا إلا أن يقال لا يعتد به لأنه عذاب غير تاتم لعدم تمام حياتهم فيه وما على هذا أيضا عبارة عن الزمان فهي لغير العقلاء، وأورد عليه ما أورد على ما قبله، وأجيب بأنه إنما يرد لو كان المستثنى في الاستثناء الثاني هو ذلك الزمان المستثنى في الاستثناء الأوّل، وهو غير مسلم فليكن