ج٥ص١٩٠
على ما حصل لنا فمن الظاهر أنّ الجمل المذكورة بعده بيان له، وأفا قوله :﴿ نَمِيرُ أَهْلَنَا ﴾ الخ. فما موقعها فأجاب بثلاثة أجوبة، وتحرير الجواب الأخير أنهم كما تكلموا في فضل الملك، واحسانة تكلموا في تجهيزهم مع أخيهم وتلك الجمل إنما لا تصلح أن تكون بيانا لقولهم ما نبغي بمعنى لا نكذب لو كان المراد به الصدق في فضل الملك أمّا إذا أريد به الصدق في التجهيز صحت لبيانه، وهو ظاهر ا هـ فبين الكلامين بون بعيد، والشراح لم يوضحوه وهو محل نظر، وتأمّل فتدبره. قوله :( استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك الخ ) يعني أنه من كلام الأخوة لاتصاله بما حكي عنهم، والكيل مصدر بمعنى المكيل، والمراد به ما كيل لهم أوّلاً أي أنه غير كاف لنا فلا بد لنا من الرجوع مرة أخرى، وأخذ مثل ذلك مع زيادة، ولا يكون ذلك بدون استصحاب أخينا أو الإشارة إلى كيل البعير الزائد على مكيلهم، وأنّ يوسف عليه الصلاة والسلام لا يأباه أو هو من كلام يعقوب عليه الصلاة والسلام، وذلك إشارة إلى الكيل الزائد كما مرّ نظيره في قوله ذلك ليعلم لكن على هذا كان الظاهر تقديمه، وذكره مع مقوله أو تأخيره عن قوله قال ولكونه خلاف الظاهر أخره المصنف رحمه اللّه تعالى قيل، ولو قال ويزدادوا بالواو ليكون مع ما قبله وجها واحداً كان أحسن واستقلال عشرة أحمال، وتكثيرها بحمل واحد بعيد، وليس بشيء، وقوله جواب القسم أي الذي تضمنه الكلام ولداً قرن باللام قوله :( حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله ) يعني أنّ الموثق مصدر ميمي بمعنى المفعول، وقوله عهداً الخ يعني الحلف بالله بدليل قوله لتأتنني به فإنه جواب قسم مضمر أي تحلفون به وتقولون، والله لنأتينك به. قوله :( ١ لا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك الخ ( يعني أنه استعارة كقولهم أحيط بفلان إذا قرب هلاكه، وأصله من أحاط به العدوّ إذا سذ عليه مسالك النجاة، ودنا هلاكه فقيل كل من هلك أو غلب أحيط به، وأوفى كلام المصنف للتقسيم، والتنويع أي إلا أن لا تقدروا على الدفع، وذلك إمّا بالغلبة التامّة أو الهلاك، والأوّل تفسير قتادة، والثاني تفسير مجاهد، والمصنف رحمه الله تعالى جمع بينهما لأنّ المراد منهما عدم القدرة على الدفع فلا يرد عليه أنه يلزم على الثاني كونهم خائنين إذ لم يأتوا به من غير أن يهلكوا جميعاً، وأنه لا وجه للقسم بهذا مع احتمال أن يغلبوا فلا يأتوا به،
وان لم يهلكوا فالوجه هو الأول. قوله :( وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال الخ ( قال أبو البقاء وردّ بأنّ المصدر من أن والفعل لا يقع موقع الحال كالمصدر الصريح فيجوز جئتك ركضاً أي راكضا ولا يجوز جئتك أن أركض وان كان في تأويله لأنّ الحال يلزمها التنكير، وأن مع ما في حيزها معرفة في رتبة المضمر ورد بأنه ليس مراده بالحال الحال المصطلح يعني أنه أراد في كل حال إلا في حال الإتيان وهذا أيضا مبنيئ على جواز نصب المصدر المؤوّل على الظرفية كالصريح في نحو أتيتك خفوق النجم، وصياج الديك، وللنحاة فيه خلاف فهو أهون الشرّين، وفيه تأمّل. قوله :( أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به في تأويل النفي الخ ( أورد عليه أن ظاهره أنّ الاستثناء إذا كان من أعمّ الأحوال لا يحتاج إلى تأويله بالنفي مع أنه استثناء مفرغ، وهو لا يكون في الإثبات أيضا إلا إذا صح، وظهر إرادة العموم في الإثبات نحو قرأت إلا يوم الجمعة لا مكان القراءة في كل يوم غير الجمعة، وهو هنا غير صحيح لأنه لا يمكن لإخوة يوسف عليه الصلاة والسلام أن يأتوا ببنيامين في كل وقت وعلى كل حال سوى وقت الإحاطة بهم لظهور أنهم لا يأتون به له، وهو في الطريق أو في مصر وقد دفع بما لا يجدي، وقد يقال إنه من هذا القبيل، وأن العموم والاستغراق فيه عرفيئ أي في كل حال يتصوّر الإتيان فيها أو يقال إنّ قوله في تأويل النفي قيد لما قبله من الوجهين، وتصويره في الوجه الأخير لقربه لا لاختصاصه به فذكر أحدهما ليقاس عليه الآخر. قوله :) كقولهم أقسمت باللّه إلا فعلت ) قال ابن هشام إذا وقع بعد الأفعل تصيد من لفظه اسم يكون هو المستثنى في المعنى فقال سيبويه مصدر، وقال المبرد اسم مشتق والأوّل أولى لقوّة دلالة الفعل على مصدره بالاشتقاق فإن كان قبل إلا نفي ظاهر فالكلام على ظاهره، وإن كان إثباتا أوّل بالنفي لأنه استثناء مفرغ من متعلق الفعل العامّ إمّا من مفعوله العائم أو من أحواله المقدّرة، والمفرغ لا يكون إلا بعد النفي ليفيد مثال الأوّل ما يقوم