ج٥ص٢١١
أظهر. قوله :( غاية محذوف دل عليه الكلام الخ ( لما لم يكن في الكلام شيء تكون حتى غاية له اقتضى ذلك تقدير أمر يكون مغيي بها، واختلفوا في تقديره، وما قدره المصنف رحمه الله تعالى مأخوذ من محصل الكلام الذي قبله، وقوله أيس إشارة إلى أنّ الاستفعال بمعنى المجرد هتا، وقوله من غير وازع بزاي معجمة وعين مهملة أي مانع وكاف. قوله :( وظنوا أنهم قد كذبوا ) في هذه الآية قراآت فقرأ الكوفيون كذبوا بالتخفيف، والباقون بالتثقيل فعلى التخفيف ضطرب الناس فيها فمنهم من أنكرها، وهو مروقي عن عائشة رضي اللّه عنها قالوا، والظاهر أنه غير صحيح عنها فإنها قراءة متواترة، وقد وجهت بوجوه منها أنّ ضمير ظنوا عائد على المرسل إليهم لعلمهم مما قبله ولأنّ ذكر الرسل يستلزم ذكر المرسل إليهم، وضمير أنهم، وكذبوا للرّسل أي ظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوا أي كذبوا فيما أرسلوا إليه بالوحي في نصرهم عليهم، ومنها أنّ الضمائر الثلاثة عائدة على الرسل عليهم الصلاة والسلام، والتقدير كما في الكشاف حتى إذا استيأسوا من النصر، وظنوا أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم أنهم ينصرون أو رجاؤهم لأنه يقال للرّجاء صادق وكاذب والمعنى إنّ مدة التكذيب والعداوة
من الكفار، وانتظار النصر من الله وتأميله تطاولت حتى استشعروا القنوط، وتوهموا أنه لا نصر لهم في الدنيا فجاءهم نصرنا قال الحلبيّ رحمه الله فجعل الفاعل المقدر إمّا أنفسهم أو رجاءهم، وجعل الظن بمعنى التوهم لا بمعناه الأصلي، ولا بالمعنى المجازي وهو اليقين، ومنها أنّ الضمائر كلها للرّسل عليهم الصلاة والسلام والظن بمعناه واليه نحا ابن عباس رضي الله عنهما، وابن مسعود وابن جبير قالوا الرسل ضعفوا وساء ظنهم، قيل ولا ينبغي أن يصح هذا عنهم فإنه لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذا نقل عن عائشة رضي اللّه عنها إنكار هذا التأويل، وقال الزمخشري، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى إن صح هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال، ويهجس في القلب من شبه الوسوسة، وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأما الظن فلا يليق بآحاد المسلمين فضلاً عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قال السمين ولا يجوز أيضاً أن يقال خطر بب لهم شبه الوسوسة فإنها من الشيطان، وهم معصومون عنها فإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل الذين وعد الله أممهم على لسانهم أنهم قد كذبوا فقد أتى بأمر عظيم لا يجوز نسبته إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل إلى صالحي الأمّة، وكذا ما أسند إلى ابن عباس فإن الله لا يخلف الميعاد، ولا مبذل لكلماته، ومنها أنّ الضمائر كلها للمرسل إليهم أي ظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوّة وفيما وعدوا به من لم يؤمن من العقاب، وهو المشهور عن ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم قالوا لا يجوز عود الضمير على الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم معصومون، وحكي أنّ ابن جبير سئل عن معناها فقال معناها إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فقال الضحاك وكان حاضراً لو رحلت في هذا لليمن كان قليلا، وأمّا قراءة التشديد فالضمائر فيها للزسل عليهم الصلاة والسلام أي ظن الرسل أنهم قد كذبهم أممهم فيما جاؤوا به لطول البلاء عليهم فجاءهم نصر الله عند ذلك " وهو تفسير عائشة رضي اللّه عنها المتقول عنها في البخاري " فيتحد معنى القراءتين، والظن على هذا بمعناه أو بمعنى اليقين أو التوهم، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك، ومجاهد كذبوا مخففاً مبنيا للفاعل فضمير ظنوا للأمم، وأنهم قد كذبوا للزسل أي ظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فيما وعدوهم به من النصر أو العقاب، ويجوز عود ضمير ظنوا للرسل، وأنهم وكذبوا للمرسل إليهم أي ظن الرسل عليهم الصلاة والسلام أن الأمم كذبتهم فيما وعدوهم به من أنهم يؤمنون بهم والظن الظاهر أنه بمعنى اليقين وقال أبو البقاء أنه قرئ مشدّدا مبنياً للفاعل، وأوّله بأن الرسل عليهم الصلاة والسلام ظنوا أن الأمم قد كذبوهم في وعدهم، ولم يقف الزمخشري على أنها قراءة فقال لو قرئ بها صح هذا خلاصة
ما قالوه في هذه الآية فلنرجع إلى كلام المصنف رحمه اللّه تعالى. قوله :( أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون ) الضمائر في هذا الوجه وفي الثاني للرسل، ولذا قابلهما الثالث، وجعله شراج الكشاف


الصفحة التالية
Icon