ج٥ص٢١٦
الداعي إلى ما مرّ من القصور فتأمل. قوله :( مبتدأ وخبر الخ ) رجح هذا في الكشف بأن قوله، وهو الذي مد الأرض عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات، والسفليات، وفي المقابل الخبرية متعينة فكذا هذا ليتوأفقا، ولدلالته على أن كونه كذلك مقصود بالحكم لا أنه ذريعة إلى تحقيق الخبر، وتعظيمه كما هو مقتضى الوجه الآتي، وهو على هذا جملة مقزرة لقوله، والذي أنزل إليك من ربك الحق، وعدل عن ضمير الرب إلى الجلالة الكريمة لترشيح التقرير كأنه قيل كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق، وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها لا سيما، وقد جعل صلة للموصول، وهذا أشدّ مناسبة للمقام من جعله وصفا مفيداً لتحقيق كونه مدبراً مفصلاً مع التعظيم لشأنهما كما في قول الفرزدق :
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
ولا تنافي بين الوجهين باعتبار أن الوصفية تقتضي معلوميتها، والخبرية تقتضي خلافها
لأنها معلومة عليهما، والمقصود بالإفادة قوله لعلكم بلقاء ربكم توقنون فالمعنى أنه فعلها كلها لذلك، وعلى الثاني فعل الأخيرين لذلك مع أن الكل لذلك، وهذا مما يرجح الوجه الأوّل أيضا كما يرجحه أن ذكر تدبير الآيات، وهي الرفع والاستواء، والتسخير فإنه ذكرها ليستدلّ بها على قدرته، وعلمه ولا يستدل بها إلا إذا كانت معلومة فيقتضي كونها صفة فإن قلت لا بد في الصلة أن تكون معلومة سواء كان الموصول صفة أو خبرا قلت إذا كان صفة دل على انتساب الآيات إلى الله تعالى وإذا كان خبراً دلّ على انتسابها إلى موجود مبهم وهو غير كاف في الاستدلال. قوله :( والخبر يدبر الآمر ) ويفصل خبر بعد خبر وعلى الأوّل هما مستأنفان أو يدبر حال من فاعل سخر ويفصل حال من فاعل يدبر أو هما حالان من ضمير استوى وسخر من تتمته لأنه تقرير لمعنى الاستواء، وتبيين له أو جملة مفسرة. قوله :( أساطين ) جمع أسطوانة، وهي السارية معربة أستون ووزنها أفعوالة أو فعلوانة كما في القاموس ووقع في بعض نسخة أفعوانة من غلط الكاتب والصحيح ما قاله في المصباح من أنه بضم الهمزة، والطاء السارية، والنون عند الخليل أصل فوزنها أفعوالة وعند بعضهم زائدة والواو أصل فوزنها أفعلانة، وجمعه
أساطين وأسطوانات اهـ. قوله :( جمع عماد كإهاب وأهب او عمود ) بالجرّ عطف على عماد وقال ابن مالك في التسهيل إنه جمع لفاعل، وذكروا له أمثلة في كلامهم بلغت اثني عشر مثالاً كما في شرح التسهيل، والمزهر وما قيل إنه جمع العماد كأديم، وأدم واهاب وأهب وأفيق وأفق ولا خامس لها مردود، وكونه جمع عمود لأنّ فعيلاً وفعولاً يشتركان في كثير من الأحكام، وهو مخالف لما في التسهيل من وجهين لأنهم جعلوه جمعا، وهو اسم جمع ولأنه ذكر أنه اسم جمع لفاعل، وهم جعلوه لفعيل أو فعول أو فعال والأمر فيه سهل ورجح كونه اسم جمع برجوع ضمير ترونه في قراءة أبيئ إليه، وقيل إنه راجع لرفع السماوات بغير عمد. قوله :( صفة لعمد أو استئناف ( على كونها صفة يصح توجه النفي للصفة فيكون لها عمد لكونها غير مرئية، والمراد بها قدرة الله فيكون العمد على هذا استعارة، ويصح أن يكون لنفي الصفة والموصوف على منوال قوله :
ولا ترى الضب بها ينحجر
لأنها لو كان لها عمد كانت مرئية، وهذا في المعنى كالاستئناف لأنها حينئذ تكون جملة مستأنفة لبيان موجب أنّ السماوات رفعت بغير عمد كأنه لما قيل رفعها بغير عمد قيل ما الدليل عليه فقيل رؤية الناس لها بغير عمد واليه أشار بقوله للاستشهاد فهو كقول القائل :
أنا بلا سيف ولا رمح تراني
ويحتمل أن يكون استئنافاً بدون تقدير سؤال وجواب، وما قيل إنّ المراد بالعمد الغير المرئية جبل قاف غير مناسب رواية ودراية. قوله :( وهو دليل على وجود الصانع الحكيم الخ ( كونها متساوية في الجرمية أمر مقزر مثبت في الكلام فما قيل إنه لا دليل عليه عقلا ونقلاً ناشئ عن عدم الاطلاع، وكذا احتمال كونها مركبة من أجزاء مختلفة الحقائق بعضها يقتضي الارتفاع وبعضها يقتضي التسفل، وانّ هذا دليل ظني فتدبر، وقوله ليس بجسم، ولا جسماني أي فيه خواص الأجسام كالتحيز إذ لو لم يكن كذلك لزم التسلسل، وقوله ما ذكر من الآيات أي من تسخير الشمس واخواته، وقوله بالحفظ، والتدبير إشارة إلى أنه ليس المراد بالاستواء ظاهره بل هو استعارة تمثيلية