ج٥ص٢١٨
لما ذكر فإن جمعية كل من صيغتي الجمعين إنما هي لشمول الأفراد لا باعتبار شمول جمع القلة للأفراد وجمع الكثرة لجموع القلة فكل منهما جمع جبل لا أنّ جبالاً جمع أجبل فتدبر. قوله :) وعلق بهما فعلاَ واحدأ ( من حيث إن الجبال أسباب لتولدها هذا بناء على ما ذهب إليه بعض الحكماء من أن الجبال لتركبها من أحجار صلبة إذا تصاعدت إليها الأبخرة احتبست فيها، وتكاملت فتنقلب مياها، وربما خرقتها فخرجت منها والذي تدل عليه الآثار أنها تنزل من السماء، ولما كان نزولها عليها أكثر كانت كثيرا ما يخرج منها، ويكفي هذا لتشريكهما في عامل، وجعلهما جملة واحدة. قوله :( أي وجعل فيها من جميع أنواع الثمرات الخ ) يعني أنّ معنى كون الثمرات زوجين زوجين أنّ كل ثمر مختلف بما ذكر وترك تفسيره بأن حين مدّ الأرض جعل كل صنف منها زوجين لأنه كما في الكشف دعوى بلا دليل، والزوج يطلق على الشيئين المزدوجين، وعلى كل واحد منهما فإن أريد الأول فاثنين مؤكد وإن أريد الثاني فمبين. قوله :( يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلماً بعدما كان مضيئا ) غشيه بمعنى ستره، وغشاه بكذا جعله ساترأ له، ومنه غاشية السرج، والنهار
زمان ظهور الشمس، وانتشار الضوء، والليل زمان غيبوبتها فليس أحدهما مسئوراً بالآخر فلذا جعلوه بمعنى غشيان مكان النهار واظلاله له، وذلك بمنزلة غشيانه نفسه، فالتجوّز في الإسناد بإسناد ما لمكان الشيء إليه، ويجوز فيه أن يكون استعارة كقوله :﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ﴾ [ سورة الزمر، الآية : ٥ ] يجعله مغشيا للنهار ملفوفا عليه كاللباس على الملبوس والأوّل أوجه وأبلغ ومكانه هو الجوّ وفي جعله مكاناً له تجوز لأنّ الزمان لا مكان له، والمكان للضوء الذي هو لازمه، واكتفى بذكر تغشية الليل النهار مع تحقق عكسه للعلم به منه مع أنّ اللفظ يحتملهما لأنّ التغشية بمعنى الستر، وهي أنسب بالليل من النهار. قوله :( فإنّ تكوّنها وتخصصها بوجه دون وجه الخ ) قال الإمام الأكثر في الآيات إذا ذكر فيها الدلائل الموجودة في العالم السفلي أن يجعل مقطعها إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وما يقرب منه وسببه أنّ الفلاسفة يسندون حوادث العالم السفلي إلى الاختلافات الواقعة في الأشكال الكوكبية فردّه الله تعالى بقوله لقوم يتفكرون لأنّ من تفكر فيها علم أنه لا يجوز أن يكون حدوث الحوادث من الاتصالات الفلكية ولذا عقبه بقوله :﴿ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ ﴾ الخ ومن تأمّل هذه اللطائف علم اشتمال القرآن على علوم الأوّلين والآخرين ثم بين كيفية الاستدلال بما لخصه منه المصنف في قوله بعضها طيبة وبعضها سبخة الخ. قوله :( لاشتراك تلك القطع الخ )، وأمّا اشتراكها في الطبيعة الأرضية فظاهر لأنها بسيطة متحدة المادّة، وما يعرض لها بالعين المهملة على الصحيح، وفي بعض النسخ يفرض بالفاء أي ما يقدر لها وبينه بالأسباب السماوية، وقوله من حيث إنها متضامّة تعليل للاشتراك، وقوله متشاركة في النسب أي في نسب العلويات، وأوضاعها في الاقترانات ونحوها. قوله :( وبساتين فيها أنواع الأشجار والزروع ) بساتين جمع بستان وهو الحديقة معرب بوستان، وفي الكشاف وفي بعض المصاحف قطعا متجاورات على معنى وجعل، وقرئ وجنات بالنصب للعطف على زوجين أو بالجرّ على كل الثمرات، وقرئ وزرع ونخيل بالجز عطفاً على أعناب أو جنات اهـ وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى الظاهر أنه على رفع جنات عطفا على قطع، وقرئ بنصبه عطفا على زوجين مفعول جعل، ومن كل الثمرات حالاً مقدّما لا صلة جعل لفساد المعنى عليه أي جعلنا فيها زوجين حال كونهما من كل الثمرات، وجنات من أعناب، ولا يجب تقييد المعطوف بقيد المعطوف عليه فإن قلت إنهم قالوا في قوله :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ [ سورة التوبة، الآية : ٢٥ ] إنه لازم قلت قال في الكشف مرادهم ثمة إنه الظاهر الذي لا يخالف إلا لقرينة وهاهنا القرينة قائمة وقرئ بجرّه عطفا على كل الثمرات على أن يكون هو مفعولاً بزيادة من في الإثبات وزوجين اثنين حالاً منه، والتقدير وجعل فيها من كل الثمرأت حالة كونها صنفين صنفين، وقوله وتوحيد الزرع يعني لم يقل زروعاً لأنه مصدر في أصله وفي نسخة في الأصل مصدر زرع يزرع زرعا فالمصدر شامل للقليل والكثير. قوله :( وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص وزرع ونخيل صنوان بالرفع عطفاً على وجنات ) فيه تسمح بذكر صنوان كما في نسخة وفي نسخة إسقاطها، وهي ظاهرة لأنه ليس معطوفا بل تابع للمعطوف، وكذا في قوله وجنات بالواو كما


الصفحة التالية
Icon