ج٥ص٢٢٣
تحقيق، وهو النكتة في حذف الموصوف عن سارب أيضاً، وهو الوجه في تقديم أسرّ وأعماله في صريح القول، وأعمال جهر في ضميره، والثاني أنه متعدد المعنى كأنه قيل سواء منكم اثنان هما مستخف وسارب وعلى الوجهين من موصوفة لا موصولة فيحمل الأولان على ذلك ليتوافق الكل، وايثارها على الموصولة دلالة على أنّ المقصود الوصف فإنه متعلق العلم، ولو قيل الذي أسرّ الخ وأريد الجنس كما في قوله :
ولقد أمز على اللئيم يسبني
فهو والأوّل سواء لكن الأوّل نص وان أريد المعهود حقيقة أو تقديراً لزم إيهام خلاف المقصود كما مز، وأمّا الحمل على حذف الموصوف بتقدير ومن هو سارب كقوله :
فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
وقول حسان رضي الله تعالى عنه :
ومن يهجورسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
على ما نقل في الحواشي فضعيف جداً لما فيه من حذف الموصول، وصدر الصلة فإنه،
وإن ذكر النحاة جواز كل منهما لكن اجتماعهما منكر بخلاف ما في البيتين، وما قيل المقصود استواء الحالتين سواء كانا لواحد أو لاثنين، والمعنى سواء استخفاؤه وسروبه بالنسبة إلى علم الله فلا حاجة إلى التوجيه بما مرّ وكذا حال ما تقدمه فعبر بأسلوبين والمقصود واحد لا تساعده العربية لأنّ من لا تكون مصدرية، ولا سابك في الكلام فكيف يتأتى ما ذكره. قوله :( كقوله الخ ) هو للفرزدق من شعر مشهور ذكر فيه ذئبا لقيه بفلاة فصحبه وأضافه ومنه :
فقلت له لماتكشرضاحكا وقائم سيفي من يدي بمكان
تعش فإن عاهدتني لاتخونني نكن مثل من ياذئب يصطحبان
والشاهد فيه إطلاق من على متعدد ومراعاة معناه بتثنية الضمير، وقوله وقائم سيفي أي
وأنا قابض على سيفي متمكن منه يظهر تجلده وشجاعته وكشر بمعنى أبدى أسنانه ضاحكا لي، وهذا عكس قول المتنبي :
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أنّ الليث مبتسم
ولكل وجهة وقوله يا ذئب معترض! ببن أجزاء الصلة. قوله :( والآية متصلة بما قبلها
مقررة لكمال علمه وشموله ) أي جملة سواء الخ متصلة بقوله عالم الغيب والشهادة الخ اتصالاً معنويا لأنها مؤكدة له، ولذا لم تعطف عليه وضمير شموله للعلم، وقوله سواء منكم اثنان اثنان معنى من واسقط هو للاستغناء عنه في بيان المعنى، واعتبره في الكشأف فقال اثنان هما مستخف وسارب فإفراد الضمير للفظ من وتقسيمه لاعتبار معناه وفي البيت اعتبر معناه فقط. قوله :( لمن أسرّ أو جهر الخ ) يعني أنّ الضمير المفرد المذكر لما مرّ باعتبار تأويله بالمذكور واجرائه مجرى اسم الإشارة، وكذا المذكور بعده، وجعل ضمير له لله وما بعده لمن تفكيك للضمائر من غير داع، وقيل الضمير لمن الأخير، وقيل للنبي لأنه معلوم من السياق. قوله :( ملانكة تعتقب في حفظه ( يعني أنه جمع معقبة من عقب مبالغة في عقب فالتفعيل للمبالغة والزيادة في التعقيب فهو تكثير للفعل أو الفاعل لا للتعدية لأنّ ثلاثيه متعد بنفسه، وقوله إذا جاء على عقبه أصل معنى العقب مؤخر الرجل، ثم تجؤز به عن كون الفعل بغير فاصل ومهلة كان
أحدهم يطأ عقب الآخر قال الراغب عقب إذا تلاه نحو دبره وقفاه. قوله :( كان بعضهم يعقب بعضاً ( أي يطأ عقبه وهو مؤخر رجله، وإنما قال كأنّ لأنه لا وطء ولا عقب ثمة وان أتى أحدهما بعد الآخر ومن لم يتنبه لمراده قال الظاهر أن يقول فإنّ ولعل وجه ما في الكتاب هو ما روي عنه عليه الصلاة والسلام إنه قال : كما في البخاري " ثتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر " يعني أنّ اجتماعهم يقتضي عدم التعاقب فلذا قال كأنّ لأنه لا تعاقب في الحقيقة، وكذا ما قيل إنه عبر به لعدم جزمه به فإنه كيف يظن بالمصنف رحمه الله تعالى عدم الجزم بما صرّح به في الصحيحين، ولك أن تقول إنما لم يجزم بأنه مراد من الآية لأنّ له ملائكة كتبة وحفظة والظاهر تغايرهما. قوله :


الصفحة التالية
Icon