ج٥ص٢٣٦
إنّ عليكم بحسب أصله ليس بأجنبي فلذا جاز الفصل به، أو هو خبر مبتدأ محذوف متعلق بكائن أو مستقرّ المحذوف، وتقديره هذا أي الثواب الجزيل بما صبرتم، وما مصدرية أي بصبركم أي بسببه أو بدل منه فإنّ الباء تكون للبدلية كما ذكره النحاة، وقوله وقرئ الخ أي قراءة الجمهور بالكسر والسكون وغيرها شاذة وهي لغات فيها، وقوله وبغيره أي بغير النقل وابقائها مفتوحة على الأصل، والمخصوص بالمدح محذوف أي الجنة. قوله :) من بعدما أوثقوه به من الإقرار والقبول ( جعل الميثاق اسم آلة وهو ما يوثق به
الشيء فعهد الله قوله :﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ١٧٢ ] وميثاقه الاعتراف بقوله بلى، وقد يسمى العهد من الطرفين ميثاقا لتوثيقه ما بين المتعاهدين، وهو الذي ذكره المصنف رحمه الله أوّلاً في قوله ما وثقوه بينهم وبين اللّه فلا تنافي بين كلاميه لأنّ التوثيق حصل بالمجموع، وهو في الحقيقة بالجواب، وقوله بالظلم أي لأنفسهم وغيرهم وتهييج الفتن بمخالفة دعوة الحق واثارة الحرب على المسلمين. قوله :( عذاب جهنم ) يعني المراد بالدار جهنم وسوءها عذابها، أو سوء عاقبة الدنيا فالدار هي الدنيا وسوءها عاقبتها السيئة، وهي عذاب جهنم أو جهنم نفسها، ولم يقل سوء عاقبة الدار لأنّ العاقبة إذا أطلقت يراد بها الجنة كما مرّ وهذا الوجه أحسن كما أشار إليه المصنف رحمه اللّه لرعاية تقابل عقبى الدار إذ المراد بها ثمة الدنيا أيضاً، ولأنه المتبادر من الدار بقرينة ما قابله وهو الحاضر في أذهانهم. قوله :( يوسعه ويضيقه ) ترك قول الزمخشري الله وحده هو يبسط الرزق لأن مثله لا يفيد الحصر عند صاحب المفتاح، والزمخشريّ يرى أنه قد يرد له لأنه لا مانع من الجمع بين التقوى، والتخصيص عنده وبسط الرزق توسعته، وأئا قول المصنف رحمه اللّه تعالى ويضيقه فليس من مدلوله بل لازم له لأنه إذا وسعه إذا شاء لزم منه تضييقه إذا لم يشأ، وهذا وان كان عاما نزل في حق أهل مكة كأنه دفع لما يتوهم من أنه كيف يكونون مع ما هم عليه من الضلال موسعا رزقهم فبين أنّ توسعة رزقهم ليس تكريماً لهم كما أنّ تضييق رزق بعض المؤمنين ليس إهانة لهم بل ذلك لحكم الهبة، ثم إنه تعالى استأنف النعي على قبح أفعالهم مع ما وسعه عليهم فقال، وفرحوا الخ والمراد بالرزق الدنيوي لا ما يعمّ الأخروي كما قيل لأنه غير مناسب للسياق، وقوله بما بسط لهم في الدنيا لأن فرحهم ليس بنفس الدنيا فنسبة الفرح إليها مجازية أو بتقدير أي ببسطه الحياة وكذا إسناد المتاع إليها أو الحياة الدنيا مجاز عما فيها، وفسر ضمير فرحوا بأهل مكة مع عدم سبق ذكرهم وهم المراد بالذين كفروا بعده ولم يعكس للعلم به في الأوّل، وتسجيل الكفر عليهم في الثاني، وليس فيها تقديم وتأخير كما قيل ومحله بعد يفسدون لاختلافهما عموما وخصوصا واستقبالاً ومضيا. قوله :) في جنب الآخرة ( يعني أنّ الجاز والمجرور حال أي، وما الحياة القريبة كائنة في جنب الآخرة وليس متعلقا بالحياة ولا بالدنيا لأنهما ليسا فيها، وفي هذه معناها المقايسة، وهي كثيرة في الكلام كما يقال الذنب في رحمة الله كقطرة في بحر، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق وهي الظرفية المجازية لأنّ ما يقاس بشيء يوضع بجنبه، وقيل معنى الآية كالخبر الدنيا مزرعة الآخرة يعني كان ينبغي أن يكون ما بسط لهم في الدنيا وسيلة إلى الآخرة كمتاع تاجر يبيعه بما يهمه، وينفقه في مقاصده
لا أن يفرحوا بها ويعدونها مقاصد بالذات، والأوّل أولى وأنسب. قوله :) الآمتعة لا تدوم كعجالة الراكب الخ ) المتعة ضم الميم وكسرها الزاد القليل كما يعطي لمن هو على جناج سفر وهو راكب على دابته من غير إعداد له فإنه يكون أمراً قليلا كتمرات أو شربة سويق وقوله أشروا الأشر الفرج بطراً وكفراً بالنعمة، وهو المذموم لا مطلق الفرح وقوله ولم يصرفوه الخ إشارة إلى أن وضع النعمة في موضعها، وصرفها في محلها مما يستوجب به الثراب شكراً لها واداء لحقها. قوله :( باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات ) إنما فسره وقيده بما ذكر لأنه المناسب للجواب عن اقتراحها فلا وجه لحذفه حتى يشمل ما قبله من الضلال كما قيل وقوله أقبل إلى الحق إشارة إلى أنّ الإنابة بمعنى التوبة ولما كان حقيقته كما في الكشاف دخل في نوبة الخير، وهو الإقبال على الحق فسره به لأنّ أصل معناه الرجوع، ومن لوازم الرجوع عن شيء الإقبال على خلافه كما قيل. قوله :( وهو جواب يجري مجرى التعجب من تولهم الخ ) يعني أن قولهم لولا أنزل عليه آية من ربه من باب العناد، والاقتراج ورد الآيات الباهرة