ج٥ص٢٤٠
بالآيات بعد صدور معجزات قاهرة دالة على صحة النبوّة قطعا ليس إلا لعدم تعلق مشيئة الله بإيمانهم فتأمّل. قوله :( وهو على الأوّل متعلق بمحذوف تقديره الخ ) ضمير عن
إيمانهم للكفار، والضمير في علماً منهم للمؤمنين، وعلماً منصوب على أنه مفعول له، وأن لو يشاء الله مفعول به لعلما المحذوف، ولم يقصر المسافة بتقدير لأن لو يشاء اللّه لأنه لا يصلح للعلية وإنما العلة علمهم بذلك ولم يجعله تضمينا لبعده. قوله :( أو بآمنوا ) معطوف على قوله بمحذوف فإن لو يشاء معمول لآمنوا بتقدير الباء أي لم ييأس الذين آمنوا بمضمون هذه القضية عن إيمان هؤلاء الكفرة فإن قلت تعلقه به، وتخصيص إيمانهم بذلك بالذكر يقتضي أنّ لهذه دخلا في اليأس عن إيمانهم، والأمر بالعكس لأن قدرة الله على هداية جميع الناس تقتضي رجاء إيمانهم لا اليأس منه قلت وجه تخصيص الإيمان بذلك أنّ إيمان هؤلاء الكفرة المصممين كأنه محال متعلق بما لا يكون لتوقفه على مشيئة الله تعالى هداية جميع الناس، ذلك مما لا يكون بالاتفاق وذكر أبو حيان هنا وجهاً آخر، وهو أنّ الكلام قد تم عند قوله أفلم ييأس الذين آمنوا تقرير اليأس المؤمنين من إيمان هؤلاء المعاندين، وأن لو يشاء الله جواب قسم مقدّر أي أقسم لو يشاء الله لهدى الناس جميعا، وأن رابطة لجواب القسم كاللام الجوابية، وقد ذكر سيبويه رحمه اللّه، وابن عصفور أنها تكون كذلك في كلام العرب كقوله :
أما والله إن لو كنت حرّاً ومابالحرأنت ولا العتيق
وأمثا له.
تنبيه : قوله أفلم ييأس كما تقدم في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام استيأسوا، وهي خمس قرأها البزي عن ابن كثير رحمه الله بخلاف عنه بألف بعدها ياء، والباقون على الأصل يئس فاؤها ياء وعينها همزة، وهي لغة والأولى على القلب بتقديم الهمزة على الياء بقلب حروفها ويدل عليه أمران الأوّل المصدر، وهو اليأس، والثاني أنه لولا أنه مقلوب لقلبت ياؤه ألفاً لتحرّكها، وانفتاج ما قبلها لأنها كانت في محل لا يقبل المل ب، وهو الفاء فكذلك ما وقع موقعه، وقال أبو شامة رحمه الله : بعدما ذكر قراءة البزي في الخمس كلمات، ولذا رسمت في المصحف كما قرأها البزي بألف مكان الياء، وياء مكان الهمزة، وقال أبو عبد اللّه : اختلف في هذه الكلمات في الرسم فرسم ييأس، ولا تيأسوا بألف ورسم الباقي بغير ألف ( قلت ) هذا هو الصواب، وكأنها غفلة من أبي شامة انتهى من الدر المصون ( أقول ) ما ذكره من اتفاقهم على رسمه كما ذكر مقرّر، وتخطئة أبي شامة خطأ منه لعدم فهم كلامه فإنه ذكر أنها رسصت بألف، ولم يقل في الخمسة ولا في الجميع، ثم نقل تخصيص رسم الألف بموضعين فيكون كلامه المطلق أوّلاً محمولاً على المقيد ومفسراً لما أبهم أوّلاً فالمخطئ له هو المخطئ فاعرفه. قوله :( داهية تقرعهم وتقلعهم ( القارعة من القرع، وأصله ضرب شيء بشيء كما قاله الراغب،
واستعملت مجازا في الداهية المهلكة نحو قوله :﴿ الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ ﴾ [ سورة القارعة، الآية : أ ] وقوله تقلعهم أي تهلكهم وتستأصلهم وقوله تحل بمعنى تنزل، وقوله يتطاير إليهم شررها الشرر واحده شرارة وهي ما يتطاير من النار يشير إلى أن المراد بحلولها بقربهم إشرافهم على الهلاك، وظهور أماراته بتطاير شرره وتواتر شروره. قوله :( وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالون مصابين الخ ( هو على الأوّل للجنس من الكفرة، ولا يلزم منه حلول القارعة بجميعهم، وعلى هذا للكفرة المعهودين، والسرايا جمع سرية وهي قطعة من الجيش، ويغير من أغار على العدوّ، وحوأليهم بفتح اللام، والياء ظرف بمعنى حوله وفي جوانبه، ومواشيهم أي دواب أهل مكة، وأنعامهم، وقوله وعلى هذا أي اختصاصه بأهل مكة، والوجه هو الأوّل، وقصة الحديبية معروفة، وقوله الموت أو القيامة هو على التفسير الأوّل، وما بعده على ما بعده وقوله لامتناع الكذب في كلامه هذا بناء على أنّ الوعد خبر يتصف بالصدق، والكذب. قوله :( وعيد للمستهزئين والمقترحين عليه الخ ) أدخل الاقتراح في الاستهزاء لأنّ عدم الاعتداد بآياته، واقتراح غيرها في المعنى استهزاء وباندراجه فيه ارتبط بما قبله أشد ارتباط ولذا صرّج به فما قيل إنّ اقتراحهم تسيير الجبال، وأخويه على سبيل الاستهزاء فهما شيء واحد لا وجه له، وملاوة وملوة بتثليث الميم فيهما


الصفحة التالية
Icon