ج٦ص١٠٨
أنه سمع النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب ويعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال علام يضحك أحدكم مما يفعل فإن قلت الترقي في الإثبات يكون من الأدنى إلى الأعلى وفي النفي عكسه لأنه لا يلزم من فعل الأدنى فعل الأعلى بخلاف النفي، قلت : هذا إذا كان على ظاهره فإن كان كناية عن العموم كما هنا جاز كما فصله في المثل السائر فاحفظه فإنه من المهمات. قوله :( فيكتب عليه ما لم يفعل ) أي يعذبه بما لم يعمله أو يزيد في جزائه، قيل : وهذا يلائم مذهب
الاعتزال وأمّا عن مذهب أهل السنة فلا ينسب إليه تعالى الظلم بتعذيبه بلا ذنب فإنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وأجيب بأنه تعالى أراد بقوله :﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [ سورة الكهف، الآية : ٤٩ ] أنه لا يفعل بأحد ما يكون ظلما لو صدر عن العباد إذ العمل بدون الأجر أو على النقصان فيه ظلم لو صدر عنا فظهر أق ما ذكر على طريق التمثيل لا الحصر، وهذا السؤال والجواب لم يصادفا محزهما أما الأوّل فلأنه تعالى وعد بإثابة المطيع والزيادة في ثوابه وتعذيب العاصي بمقدار جرمه من غير زيادة وأنه قد يغفر له ما سوى الكفر وذكر أنه لا يخلف الميعاد واتفق المعتزلة وأهل السنة على عدم وقوع الخلف وإنما الخلاف في امتناعه عقلا فذهب إليه المعتزلة بناء على القبح، والحسن العقليين وخالفهم فيه غيرهم فقالوا إنه ممتنع سمعا لا عقلاً وما ذكره المصنف موافق لكلامهم، وأما الثاني فلأن تسمية خلاف ما وعد به وجرت عليه السنة الإلهية ظلما الظاهر أنه حقيقة لا تمثيل لأنّ حقيقتة، كما قاله الراغب وغيره : وضع الشيء في غير موضعه بزيادة أو نقص، فلذا أطلق على تجاوز الحد والحق فهو حقيقة في مثل قوله :﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ أي لا يتجاوز الحد الذي حذه لهم في الثواب والعقاب وإن لم يجب ذلك عليه عقلاً فالحصر على ظاهره بلا تمثيل، نعم هذه كلمة حق أريد بها باطل فافهم. قوله :( كرّره في مواضع الخ ( أي كرّر هذا المذكور من قصه إبليس بحسب الظاهر وليس مكرّرة في الحقيقة لأنها تتضمن أغراضا فذكرت في كل محل لغرض وفائدة تناسب ذلك المقام، وقوله : لكونه مقدمة بكسر الدال المشدّدة ومعناها لغة معروف واصطلاحا تطلق على أمور كمقدمة العلم، ومقدمة الكتاب ومقدمة الدليل، وهي قضية جعلت جزءاً منه أو تتوقف صحته عليها، والمراد بها هنا ما له تعلق بالأمر المقصود بيانه لا ما يتوقف عليه صحة الدليل كما قيل، وقوله : في تلك المحال أي محال تكرير القصة، وقوله : لما شنع أي ذكر شناعة أمرهم ووخامة عاقبتهم والمراد بالمفتخرين من ذكر في قوله :﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ الخ ويجوز أن يراد المفتخر بجنته وزينة دنياه المشار إليه بالمثل المضروب، وقوله : قرّر ذلك أي التشنيع أي أكده وبينه، وقوله : بأنه أي الافتخار. قوله :( أو لما بين حال المغرور الخ ) وجه آخر لذكر القصة هنا والمغرور والمعرض إما صاحب الجنتين وأخوه، أو ما تضمنه قوله :﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ وزهدهم جواب لما والتزهيد ضد الترغيب، وعرضة الزوال بضم العين وسكون الراء والضاد المعجمة معناه معرضة ومتهيئة له، والمراد بأنفسها أكثرها نفاسة، وأعلاها أشرفها والمراد به الحال والبنون والمذهب المراد به طريقته المعروفة فيه. قوله :( حال بإضمار قد ( أي حال من المستثنى والرابط
الضمير وعلى الاستئناف فهو استئناف بياني ويفهم منه التعليل، كما قرره. قوله :( فخرج عن أمره بترك السجود ( جواب عما يتوهم من أنّ الفسق ترك الطاعة بالعصيان فكيف عدى بعن كما في قوله :
فواسقا عن قصدها جوائزأ
ثم خص بالخروج عن طاعة الله، وجوّز فيه أن تكون عن للسببية كما في قوله :
ينهون عن أكل وشرب
والمراد بالأمر في كلام المصنف قوله : اسجدوا وخروجه عنه مخالفته وفي الكشاف أنه بمعنى المأمور به وهو السجود وعدم اتصافه بالسجود الذي عم الملائكة خروج عنه، قيل : وهو أنسب باستثناء إبليس من حكم السجود، وقيل : مسلك المصنف أولى لإبقائه على حقيقته ولكل وجهة والأمر فيه سهل. قوله :( والفاء للتسبب ا لبيان تسبب فسقه عن كونه من الجن إذ شأنهم التمزد وإن كان منهم من أطاع وآمن كما سيأتي في سورة الجن أو عن سجود غيره وتخلفه عن السجود فهي عاطفة إما على سجد الملائكة إلا إبليس، أو على كان من الجن كما في الأعراف، وقيل إنها


الصفحة التالية
Icon