ج٦ص١٤٩
من نطفة واحدة، وأمّا الهجنة فقبيحة ولو تركها كان أولى وكأنه أراد أنه وقع كذلك ليكون مظنة لما ذكر ثم يظهر خلافه فيكون أقوى في نزاهتها فتأمّل. قوله :( بالرحمن ) قيل : خصته تذكيرا له بالجزاء لينزجر فإنه يقال يا رحمن الآخرة وليس بشيء لأنه ورد رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما كما مر بل طلبت تذكيره بالرحمة ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه، وتحتفل بمعنى تبالي، والمقصود مما ذكر زجره، وقوله : فتتعظ الظاهر إسقاط الفاء حتى لا يحتاج إلى جعله مرفوعاً بتقدير مبتدأ لأنّ المضارع لا يقترن بالفاء. قوله :( ويجورّ أن تكون للمبالغة الخ ( وجه المبالغة أنها إذا استعاذت به في حال تقواه فقد بالغت في الاستعاذة كما لا يخفى والظاهر أنها على هذا إن الوصلية وفي مجيئها بدون الواو كلام وهي جملة حالية المقصود بها الالتجاء إلى الله من شرّه لا حثه على الانزجار وما قيل إنه مقتضى المقام غير مسلم لأنه لا يناسب التقوى، ولو كانت مفروضة والذي استعذت به بكسر تاء الخطاب صفة ربك، وقوله : في الدرع أي القميص إشارة إلى ردّ ما قيل إن النفخ في الفرج فإنه غير صحيح ولا مناسب. قوله :( ويجوز أن يكون حكاية لقوله تعالى ) يعني أن الهبة إمّا مجاز عن النفخ الذي هو سببها أو حقيقة بتقدير القول أي الذي قال : أرسلت هذا الملك لأهب لك وجعل قراءة الياء مؤيدة لا دليلاً لأنه لا يلزم توافق القراءتين كما مرّ، وأمّا أنّ أصل ليهب لاهب فقلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها فتعسف من غير داع له، ويعقوب عطف على أبي عمرو لا على نافع إذ لا اختلاف في الرواية عنه، وقوله : طاهر الخ يعني أن الزكاء شامل للزيادة المعنوية كالطهارة والحسية. قوله :( فإق هذه الكنايات إنما تطلق فيه ( أي في النكاج الحلال فإنه محل التأدب وفاعله يأنف من التصريح به ومرتكب الزنا لا أدب له ولا حشمة فلا يأنف من مثله، وليس مقامه مقام الكناية بل تطهير اللسان عنه أو التقريع به، وقد راعى المصنف رحمه الله هذا الأدب إذ قال : لم يباشرني دون يجامعني أو ينكحني فهو أحسن مما في الكشاف من النكاج وجمع الكناية، وان كان الواقع هنا واحدة منها إشارة إلى أن لها أخوات كلامستم النساء ودخلتم بهن وبنى بها إلى غير ذلك، وخبث بضم الباء بمعنى عمل ما يكره وهو صريح، وفجر فعلى الفجور مثله وإن كان في الأصل كناية لأنه من الفجر لكنه شاع في الزنا حتى صار صريحآ
وحقيقة فيه، ولا يرد عليه ما في سورة آل عمران من قوله :﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾ [ سورة آل عمران، الآية : ١٤٧ إذ جعل كناية عنهما فإنه لم يجعل كناية عن الزنا وحده بل عنهما على سبيل التغليب وهو لا يحسن هنا على أنه قيل إنه استوعب الأقسام هنا لأنه مقام البسط واقتصر على نفي النكاج ثمة لعدم التهمة لعلمها أنهم ملائكة لا تتخيل منهم تهمة بخلاف هذه الحالة لمجيء جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة غلام أمرد، ولذا تعوّذت منه ولم يسكن روعها حتى صرّح بأنه رسول من الله على أنه قيل إن ما في آل عمران من الاكتفاء وترك الاكتفاء هنا لأنها تقدم نزولها فهي محل التفصيل بخلاف تلك لسبق العلم، وبقي هنا كلام مفصل في شروح الكشاف. قوله :( ويعضده عطف قوله ولم أك بغيا عليه ( أي يعضد أن المراد بما قبله الكناية عن مباشرة الحلال عطف ما ذكر عليه لأن الأصل في العطف المغايرة وأما جعله من التخصيص بعد التعميم على طريق التغليب لزيادة الاعتناء بتبرئة ساحتها عن الفحشاء كما ذهب إليه بعضهم، فخلات الظاهر ولهذا الاحتمال لم يقل يدل عليه. قوله :( وهو ( أي لفظ بغيئ فعول وأصله بغوي فأعل الإعلال المشهور وأمّا قول ابن جني : لو كان فعولاً لقيل بغوّ كما قيل نهوّ عن المنكر فمردود بأنه شاذ كما صرّح به ابن جني أيضا لمخالفته القاعدة الصرفية، ولذا لم تلحقه التاء لأن فعولاً يستوي فيه المذكر والمؤنث، وان كان بمعنى فاعل كصبور، وأما فعيل بمعنى فاعل فليس كذلك فلذا وجهه المصنف رحمه الله بأنه للمبالغة التي فيه حمل على فعول، كما قيل ملحفة جديد، وإن قيل فيه إنه بمعنى مفعول أي مجدود ومقطوع لأن الثياب الجديدة تقطع، وأورد عليه العلامة في شرح الكشاف أن نفي الأبلغ لا يستلزم نفي أصل الفعل فلا يناسب المقام وأجيب بأن المراد نفي القيد والمقيد وهو دقيق ولا يخفى أنه لا دقة فيه فإنه مع شهرته المتداول خلافه