ج٦ص١٥٣
بأن تسليتها بهما ليست من هذه الحيثية بل من حيث اشتمالهما على أمور خارقة للعادة دالة على براءة ساحتها، وقدرة الله الباهرة التي يهون عندها كل شيء حتى لا ينكر أمرها فقوله : بذلك أي بقوله : قد جعل ربك تحتك سريا الخ، وقوله : لما فيه من المعجزات قيل إن نسب ذلك لمريم فهو كرامة لا معجزة، ولو قيل بنبؤتها لأن المعجزة الأمر الخارق للعادة الواقع للتحذي ولا تحذي هنا، وإن نسب لعيسى ﷺ فما وقع للنبي ﷺ منه قبل ظهور نبؤته كتظليل الغمام للنبيء ﷺ فهو إرهاص لا معجزة، وأقرب ما قيل فيه أن المراد
بالمعجزة معناها الغوي وهي الأمر المعجز للبشر لكونه خارقا للعادة مطلقا فيصدق على الكرامة والإرهاص أو هي مجاز عرفيي لذلك، وقوله : فجعل الله له ذكر الضمير باعتبار أنها جذع لأنها إنما تكون نخلة إذا كانت تامة هالا فهي جذع من الخشب اليابس والمنبهة معطوفة على الدالة، وعليه حال من مفعول رآها والضمير للشأن، وعلى أن الخ متعلق بالمنبهة وقوله : وأنه أي الحبل من غير فحل، وقوله : مع ما فيه أي فيما ذكر من تهيئة شرابها وطعامها حتى لا تتألم بفقدهما أيضا لكن ذلك ليس مقصودا بالذات. قوله :( ولذلك رتب عليه الأمرين ( الإشارة تحتمل أن تكون لما فيه أي لما في الأمر الذي سلاها به من ذكر الطعام والشراب رتب عليه الأمرين يعني المأكول والمشروب يعني بالفاء، ويحتمل أن الإشارة لجميع ما تقدم / أي ولأنه سلاها تسلية أزالت حزنها أمرها بالأكل والشرب لأن الحزين لا يتفرغ لمثله كما نبه عليه بقوله : وقزى عينا، وقدم الماء أولا وأخر الشرب هنا لأن الماء الجاري أظهر في إزالة الحزن، وأصل في النفع عام نفعه للتنظيف ونحوه وحيث ذكره للشرب أخره لأنه إنما يكون بعده ولذا قدم الأكل على الشرب حيث وقع ويحتمل أنه قدم الأكل ليجاور ما يشاكله، وهو الرطب، وقوله : أو من الرطب وعصيره قيل : هو إذا أريد بالسرفي عيسى عليه الصلاة والسلام وليس بمتعين. قوله :( وطيبي نفسك ( طيب النفس عبارة عن الاطمئنان وعدم القلق والحزن، فقوله : وارفضي أي اتركي تفسير له يعني أن قزة العين كناية عن السرور ودفع الحزن وهو إفا من القرار والسكون أو من القز بمعنى البرد، ويشهد للأول قوله :
تدور أعينهم من الحزن
وللثاني قولهم : قرة العين وسخنتها وذكروا في وجه برودة دمعة السرور وسخونة غيرها
أن سبب البكاء ارتفاع أبخرة ينعصر بها ما في الدماغ من الرطوبات حتى تسيل وتلك الأبخرة تكون حرارتها في حالة الحزن أشد لعدم انتشارها كما في السرور الظاهر على البشرة، وقوله : وهو لغة نجد أي فإنهم يقولونه بفتح عين الماضي وكسر عين المضارع وغيرهم يكسر عين الماضي ويفتح عين المضارع من القز بمعنى السكون أو البرد، وقوله : لبأت بالحج أصله لبيت من التلبية وهي قولك : لبيك اللهتم لبيك فأبدلت الياء همزة والمؤاخاة بين الهمزة وحرت للين
لأنه يبدل منها ولم يقل والياء لأنه لا يختص بها. قوله :( صمتا ( فالمراد به الإمساك مطلقا وهو أصل معناه أو هو مجاز عنه والقرينة قوله : فلن أكلم اليوم الخ وعليه يظهر التفريع، وقوله : وكانوا لا يتكلمون في صيامهم وكان ذلك قى بة في دينهم فيصح نذره، وقد نهى النبي ﷺ عنه فهو منسوخ في شرعنا كما ذكره الجصاص في كتاب الأحكام وقد ورد في الحديث كما رواه أبو داود لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل، وفي شرح البخاري لابن حجر عن ابن قدامة أنه ليس من شريعة الإسلام، وظاهر الإخبار تحريمه فإن نذره لا يلزمه الوفاء به ولا خلاف فيه بين الشافعية والحنفية لما فيه من التضييق، وليس من شرعنا لهان كان قربة في شرع من قبلنا وعليه أيضا فالتفريع ظاهر. قوله :( بعد أن أخبرتكم بنذري ( لدفع ما يتوهم من أنها إذا أنذرت عدم الكلام يكون قولها هذا مبطلا له، وحاصله أنها نذرت أن لا تكلم أحدا بغير هذا الإخبار فلا يكون مبطلا له لأنه ليس بمنذور، وقولها : إني نذرت ليس بإنشاء للنذر بل إخبار عن نذر وقع منها ولم تعين زمانه وزمانه كان بعد التكلم بهذا، ويحتمل أن قوله : فلن أكلم اليوم انسيا تفسير للنذر بذكر صيغته فلا وجه لما قيل إن الظاهر أن هذا الكلام إنشاء للنذر، فما ذكره المصنف لكونه في صورة الخبر أو لتضمنه له وكذا ما قيل إنه من تتمة النذر أو هو مستثنى منه عقلا لأنه ضرورفي، وقوله : أكلم الملائكة من مفهوم