ج٦ص١٦١
وصفه بالعظم قرينة مقالية، وفي الثانية كونه في سن الشيخوخة قرينة حالية، ثم إن الاتصال بالبشرة المذكورة لا يقتضي المبالغة في الإصابة لأن القؤة اللامسة تتأثر بأدنى إصابة فليس فيه نسيان لما قدمه في آية البقرة لأن دعوى اليهود ثتم قلة الإصابة كما وكيفا، والحاصل أن هنا مقامين يمكن اعتبار كل منهما مقام التخويف ومقام إظهار مزيد الشفقة وأدب المعاملة ومقتضى الأول حمل التنكير على التعظيم والمس على مطلق الإصابة ومقتضى الثاني خلافه ولذا قال في المطؤل مما يحتمل التعظيم والتقليل قوله : إني أخاف أن يمسك عذاب الخ أي عذاب هائل أو أفي شيء منه ولا دلالة للفظ المس وإضافة العذاب إلى الرحمن على ترجيح الثاني كما ذكره بعضهم لقوله تعالى :﴿ لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ﴾ [ سورة النور، الآية : ١٤ ]، ولأن العقوبة من الكريم الحليم أشد انتهى، واعترف في بحث الشرط أن لفظ المس ينبئ عن قلة الإصابة وترجيح المصنف اعتبار المقام الثاني لكون بناء الكلام هنا على مراعاته فتدبر ) أقول ( كون المس بل الإصابة مشعرة بالقلة مما لا شبهة فيه لكنها لكونها مقدمة لما بعدها متقدمة عليه تقدم الذوق على الأكل وتقدم مس النار على إحراقها واذابتيا هافنائها لما تحرقه تكون غير مقصودة بالذات والمقصود ما بعدها فدل على وقوع أمر عظيم بعدها ودلالتها على الكثرة والعظمة باعتبار ما يلزمها ويتبعها لا بالنظر إليها في نفسها فيصح وصفها بكل منهما بل بهما باعتبارين كما أشاروا إليه فلا منافاة بين الآيات ولا دلالة في قوله على أن مسني الكبر على
أحدهما بل إبقاؤها على ظاهرها أولى لما فيه من التجلد وعدم التضجر وكون المقام مقام التخفيف لا التخويف مع تصديره بقوله : أخاف غير مسلم بل هو مما روعي فيه مقتضى المقامين وهذا هو المناسب لما مر في تفسير قوله : فتكون للشيطان وليآ، ثم إن المدقق في الكشف ذكر أن الحمل على التفخيم في عذاب كما جوزه في المفتاح يأباه ظاهر المقام لأنه مقام حسن أدبه معه أو أنه مما قيل من الرحمن لقوله : أولا، كان للرحمن عصيا وللدلالة على أنه ليس على وجه الانتقام بل ذلك أيضا رحمة من الله على عباده وتنبيه على سبق الرحمة على الغضب وأن الرحمانية لا تنافي العقاب بل الرحيمية على ما عليه الصوفية رضي الله عنهم، وقيل : إن ذكره الرحمن للتحسر وأنه على حذ قول المتنبي :
وما ينفع الحرمان من كف حازم كما ينفع الحرمان من عند رازق...
قوله :( ولعل اقتصاره ( في النظم على عصيان الشيطان في قوله : إن الشيطان كان للرحمن عصيآ، وقوله : من جناياته وفي نسخة جنايتيه بالتثنية والجناية الأخرى معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام، وذريته وهو تلميح إلى ما في الآيات الأخر ومن تبعيضة أي وهو بعض جناياته هأنما جمع على ما في النسخة المشهورة مع أن جنايته المذكورة عصيان الرحمن بالاستكبار وعدم امتثال الأمر والمتروكة المعاداة كما صرح به في الكشاف لاشتمال كل منهما على أنواع من القبائح والمعاصي والوساوس التي لا تتناهى، وقوله : لارتقاء همته في الربانية أي لعلو همته في أمور الألوهية حيث لم ينزل لذكر غيرها ولم يعذها جناية معها فلا جرم عنده أعظم من عصيان الله بل لا جرم غيره، وقوله : أو لأنه أي العصيان نتيجة معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام أي لأنه لما عاداه لعدم المناسبة الترابية استكبر عن السجود له فكان عاصيا دثه كافرا فاقتصر على ما ذكره من النتيجة لأنها الأهم ولأنها تنبه على سببها ومقدماتها فتعرف منها مع أن المعاداة إنما عذت جناية لما فيها من معصية الله والحمل عليها فهي مندرجة أو كالمندرجة فيه فتدبر. قوله :( قمابل اسثعطافه ولطفه في الإرشاد ( كما مر تفصيله، والفظاظة سوء الخلق وكراهته، وغلظة العناد أي الغلظة الناشئة من العناد أو العناد الغليظ، وجعل مناداته باسمه دليلا على ذلك وهو ظاهر، ويا بنيئ بالتصغير، وأخره أي أخر اللفظ الدال عليه وهو أنت لعدم الاعتناء به والالتفات إليه بعدما تلطف به غاية التلطف وهذا مما يدل على فظاظته وغلظته والقول بأنه لو قدم لكان أشنع وأوقع في الدلالة على ذلك مكابرة. قوله :( وقدم الخبر على المبتدأ الخ ( خالف أبا البقاء وابن مالك ممن جعل أنت فاعل الصفة لاعتمادها على حرف الاستفهام وذلك لئلا يلزم الفصل بين راغب ومعموله وهو عت آلهتني بأجنبي وهو


الصفحة التالية
Icon