ج٦ص١٨٢
معدودة، وقلته لتقضيه وفنائه كما قال المأمون : ما كان ذا عدد... ليس له مدد... فما أسرع ما نفسد ولا ينافي هذا ما مر من أنه يمد لمن كان في الضلالة أي يطول لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم وهو قليل باعتبار عاقبته وعند الله، ولله در القائل :
إن الحبيب من الأحباب مختلس لايمنع الموت بؤاب ولا حرس...
وكيف يفرح بالدنيا ولذتها فتى يعد عليه اللفظ والنفس...
قوله :( ولعله ( أي اختيار اسم الرحمن وتكرار التعبير به في هذه السورة الكريمة كما تراه
أي لأنه ذكر فيها نعم جسام والرحمن بمعنى المنعم فكأنه قيل : نحشر المتقين إلى ربهم الذي شملهم رحمته ورأفته قال الطيبي : وفي التقابل بين الوفد والرحمن وبين الورد وجهنم إعلام بتبجيل الوافد وظفره بجلائل النعم وأعظم بوافد على رب رحمن كريم وإشعار بإهانة الوارد وتهكم كما في عتابه السيف وكفى بعطش يكون ورده أعظم النيران، وقوله : وافدين إشارة إلى أنه حال، وأصل الوفود القدوم على العظماء للعطايا والاسترفاد ففيه إشارة إلى تبجيلهم وتعظيمهم المزور والزائر، وقوله : كما تساق البهائم ففيه إشارة إلى تحقيرهم وإهانتهم، وقوله : عطاشا فالورد مجاز عنه لأنه لازمه، كما بينه وعلى ما بعده فالمراد مجرد سوقهم بقطع النظر عن العطش فهو تشبيه والورد الذهاب إلى الماء، ويطلق على الذاهبين إليه، وقوله : المدلول عليها وفي نسخة عليه والتذكير لتأويله بالذي دل عليه وهو سهل، والقسمان هم المتقون والمجرمون المقسم إليهما فجعل عبارة عن جميعهم بقرينة الحشر ويوم القيامة، فإنه يشمل الجميع ولذا قال : وهو الناصب الخ قيل : ولم يجعل الضمير للمتقين والمجرمين المذكورين لأن المجرم لا يشفع ولا يشفع له عند المعتزلة ولا للمتقين لتفكيك النظم ففي كلام المصنف شيء يمكن دفعه. قوله :( الا من تحلى ( أي اتصف وقوله : من الإيمان الخ بيان لما ووعد الله هر ما نطقت به الآيات والأحاديث الناطقة بأنه أكرم صلحاء المؤمنين بإذنه لهم في الشفاعة لغيرهم فالمراد بالعهد الإيمان والعمل الصالح تشبيها له به، وقوله : على ما وعد الله حال أي جاربا على مقتضى وعده وقيل : متعلق بيستعذ، وقوله : إلا من اتخذ الخ فالمراد بالعهد الإذن والأمر، قيل : وفي لفظ الاتخاذ إباء عنه لأن المأمور لا يقال له اتخذ الأمر وإن أول بأنه بمعنى قبل وفيه نظر لأن الأمر إذن وكما يقال : أخذت الإذن في كذا يقال : اتخذته فلا محذور فيه. قوله :( ومحله ( أي من الموصول الخ قال المعرب : الضميران عاد على المتقين أو العباد أو الفريقين فالاستثناء متصل ومحله إفا رفع... أو نصب على وجهي الاستثناء، دمان عاد على المجرمين فقط كان منقطعا لازم النصب عند الحجازيين جائزا نصبه وإبداله عند تميم، فإن كان مستثنى ممن الشفاعة بتقدير مضاف وهو شفاعة فهو متصل جاز فيه اللغتان أيضا وقيل : المستئنى منه محذوف والتقدير لا يملكون الشفاعة لأحد إلا لمن اتخذ الخ وقال ابن عطية : الاستثناء متصل دران كان الضمير للمجرمين لشمولهم للكفرة والعصاة، ولا يرد عليه شيء كما قيل والمصنف رحمه الله بعد اختيار عموم الضمير جوز فيه لأنه متصل الرفع على البدلية والنصب
على الاستثناء إذا استثنى من الضمير وجوز فيه الاستثناء من الشفاعة وهو حينئذ متعين النصب فذكر ثلاثة وجوه وترك الباقي، وقوله : على تقدير مضاف أي دياقامة المضاف إليه مقامه، وعلى الاستثناء معطوف عليه. قوله :( أي الا شفاعة الخ ( والمصدر مضاف لفاعله أو مفعوله أي لا يملك العباد الشفاعة لغيرهم إلا شفاعة من اتخذ الخ ولا تجوز في إسناد ما يصدر من البعض للكل هنا ويحتمل أن المراد شفاعة كيرهم لهم على أنه مصدر المبنيئ للمفعول أي ليس لهم مشفوعية من غيرهم إلا مشفوعية من اتخذ لخ. قوله :( وقيل الضمير للمجرمين الخ ( هذا أحد الوجوه السابقة والمراد بالمجرمين ما يشمل العصاة من المؤمنين كما مر والشفاعة شفاعة غيرهم فيهم، وقوله : يحتمل الوجهين أي العود على العباد أو المجرمين، وقوله : لأن الخ تعليل لكونه للعباد إذ الثاني لا يحتاج لتوجيه وفي الوجه الأول أنه لا نكتة في نسبة ما صدر من الكفار إلى الجميع مع أنهم لم يرضوه فتأئله، والالتفات من الغيبة للخطاب، والتسجيل بذكره في مقابلة من لا ينكر والجراءة في نسبة الولد إليه، والمفتوح


الصفحة التالية
Icon