ج٦ص٢
من أن المعنى ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص، فلا يكون اصطفاؤه لعبده المخصوص به إلا حكمة وصواباً، فالتنزيه لا ينافي التعجب كما توهم والتعجب هاهنا تبع بخلافه في قوله :﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [ سورة النور، الآية : ١٦ ] فافهم، ومن هذا ظهر مناسبة أوّل هذه السورة لخاتمة السورة التي قبلها وارتباطها بها وأن في سبحان ثلاثة مذاهب أنه علم جنس دائما وأنه علم إذا لم يضف غير علم إذا أضيف وأنه ليس بعلم أصلا كما سيأتي. قوله :( وقد يستعمل علماً له ( أي للتنزيه فيقطع عن الإضافة لأن الأعلام لا تضاف قياسا، ويمنع من الصرف للعلمية والزيادتين، قال الرضي : ولا دليل على علميته لأنه أكثر ما يستعمل مضافا فلا يكون علما وإذا قطع فقد جاء منوّنا في الشعر كقوله : سبحانه ثم سبحانا نحوذ به وقبلنا سبحات الجود والحمد...
وقد جاء باللام كقوله :
سبحانك اللهم ذا السبحان
قالوا ودليل علميته قوله :
سبحان من علقمة الفاخر
ولا منع من أن يقال : حذت المضاف إليه وهو مراد للعلم به وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله أي التجزد عن التنوين كقوله :
خالط من سلمى خياشيم وفا
قوله :( قد قلت لما جاءني فخره الخ ( هو من قصيدة طويلة للأعثى، أولها :
شاقتك من قبله أطلاقا بالشط فالجزع إلى حاجر...
وسببها أنه لما تنازع الشرف ودعوى الكرم علقمة بن علاثة وابن عمه عامر بن الطفيل العامريان على ما جرت به عادتهم في الجاهلية، وكان علقمة كريما رئيسا وعامر عاهراً سفيهاً وساقا إبلا كثيرة لتنحر لمن قرّ له أي الفضل هاب حكام العرب أن يحكموا بينهما فأتوا هرم بن سنان، فقال لهما : أنتما كركبتي البعير تقعان على الأرض معاً وتنهضان معا قالا فأينا اليمين قال : كلا كما يمين فمكثا سنة لم يحكم أحد بينهما، فأتى الأعشى علقمة مستجيراً به فقال : أجيرك من الأسود والأحمر فقأل له : ومن الموت قال لا، فأتى عامراً فقال له : مثله فقال له : ومن الموت قال : نعم، قال : وكيف قال إن مت في جواري وديتك، فلما بلغ ذلك علقمة
قال : لو علمت مراده لهان عليّ فقال الأعشى : يهجو علقمة، ويفضل عليه عامراً بقصيدته هذه ومنها قوله :
إن الذي فيه تماريتما بين للسامع والناظر...
ما جعل الحد الظنون الذي خيب صوب اللحب الماطر...
مثل الفرأتيّ إذا ما جرى يقذف بالبوصي والماهر...
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر...
علقم لا تسفه ولا تجعلن عرضك للوارد والصادر...
والشاهد في قوله :( سبحان من علقمة الخ ( لمنعه من الصرف، والمراد التعجب من فخره
على عامر كما يقولون سبحان الله من كذا أي أعجب منه، وقال الراغب : إنه تهكم ومن زائدة، وهو مضاف لعلقمة، وقيل : أصله سبحان الله فحذف المضاف إليه فلا شاهد فيه، وعلقمة المذكور صحابيّ قدم على النبي ﷺ فأسلم وهو شيخ واستعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حوران فمات بها، وفي الاستيعاب أنه كان من المؤلفة، وقوله : يفعل متروك إظهاره أي لم يسمع من العرب إظهاره وهو سبح مشدداً بمعنى نزه لا مخففا كما مر تحقيقه، وقوله للتنزيه عن العجز، ولا ينافي قصد التعجب كما قدمناه، وقوله عما ذكر بعده وهو الإسراء المذكور، وعدل عن قول الزمخشري : إنه للتنزيه البليغ عن جميع القبائح التي تضيفها إليه أعداء الله لأنه يأباه المقام كما قاله الطيبي، لكن الذي دعا الزمخشري إلى التفسير به مع أنه شامل لما ذكر أنه تفسير مأثور. قال في الإعراب المسمى بالعقد الفريد عن طلحة رضي اللّه عنه قال : سألت رسول الله ﷺ عن تفسير سبحان الله فقال : تنزيهه من كل سوء فتأمّل. قوله :( واسرى وسرى بمعنى ) هذا قول أبي عبيدة رحمه اللّه وهو سير الليل أو أكثره وليست همزة أسرى للتعدية بل هما بمعنى ويشير إليه ما ذكره بعده، وقيلى : الهمزة للتعدية ومفعوله محذوف تقديره أسرى ملائكته بعبده، وقيل : أسرى لأوّل الليل