ج٦ص٢٠٢
قيل : وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه على تقدير مضاف، ومنهم من أرجعه إلى ما في الكشاف وهو الظاهر من قوله : والدعاء إليئ وهر المناسب لقوله : وقيل فتدبر. قوله :( أمر به أولا الخ ( قيل عليه أنه خطأ وكان حقه أن يذكر عند قوله : اذهب أنت وأخوك، كقوله : ولا تنيا فإنه لم يؤمر وحده فيهما، وأجيب بأن المراد دفع توهم التكرار الناشئ من ذكر من يذهب إليه مع التعليل وإنما هو في قول :﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ سورة طه، الآية : ٢٤ ] فقوله : أمر به معناه بالذهاب إلى فرعون الطاغي فمحل ذكره هنا لا فيما قبله، ويؤيده قوله : أولا فإن قوله : اذهب أنت وأخوك ثان لا أول ولذا قيل إن الثاني أمر بالذهاب لعموم أهل دعوته وهذا أمر بالذهاب إلى فرعون خاصة وأما كون قوله : ولا تنيا من قبيل قوله دماذ قتلتم نفسا على أن المأمور موسى عليه الصلاة والسلام وحده وذكر هرون لأنه تابع له فجعل الخطاب مع موسى خطابا معه كما نقل عن القفال رحمه الله فلا يخفى بعده، وكذا كون اذهب أنت وأخوك أمرا بذهاب كل منهما على الانفراد متفزقين وهذا بخلافه أو أن الأول يحتمله فدفع الاحتمال بهذا فلا تكرار فيه لأن دلالة التثنية على الاجتماع غير مسلمة. قوله :( إلى هرون ( الظاهر أنه وحي حقيقي لا إلهام، وقوله بمقبله بضم الميم وفتح الباء مصدر ميميئ بمعنى الإقبال أو اسم مكان وإقباله من الطور إلى مصر، ويحتمل ذهاب هرون للطور والمقصود بيان اجتماعهما حتى يؤمرا بالذهاب. قوله :( مثل هل لك إلى أن تزكى ( سيأتي تفسيره وهذا ظاهر غاية والظهور في اللين ولذا خصه بالذكر، وقوله : مثل إشارة إلى عدم انحصاره فيما ذكر فيشمل قوله : فقولا إنا رسولا ربك الخ قلا وجه
لما قيل إنه يرذه توله فقولا الخ مع أنه ذكر في تفسير هذه الآية أنها تفصيل لقوله : فقولا له قولا لينا الخ. قوله :( في صورة عرض ( بسكون الراء أي عرض عليه ذلك من غير أمر ليهتدي، ومشورة بفتح الميم وضم الشين وسكون الواو كمثوبة وهو الأفصح، ويجوز سكون الشين صر فتح الواو، ومعناها المشاورة، وقوله : حذرا تعليل لقوله : فقولا له قولا لينا، أو لكونه في صورة العرض لأنه بمعناه وأن يسطو أي يبطش بهما، وقوله أو احتراما أي تعظيما منهما لحقه على موسى بتربيته وعلى هرون بتربية أخيه. قوله :( وقيل كنياه ( أي خاطباه بكنيته وهي ما ذكر وزيد فيها أبو الصعب، ومزضه لأن الكنية تدل على التعظيم لا على اللين ولا وجه لتخصيص القول اللين بها، وما قيل إنه لا بد من زيادة قول أو لقباه بفرعون مثلا فإنه لقب كل من ملك مصر أو القبط لأنه المخاطب به في القرآن فيه نظر لأن دلالة اللقب على التعظيم غير مسلمة لقوله :﴿ ولا تنابذوا بالألقاب ﴾ [ سورة الحجرات، الآية : ١١ ] وقد قيل :
ولا ألقبه والسوأة اللقبا
كما سيأتي وكيف يعظم بدعوته ملكا من يذعي الربوبية وأما عدم حكايته في القرآن فلا
ئدل على عدم وقوعه كما لا يخفى واذعاء أنه يعلم بطريق الدلالة غير مسلم. قوله :( متعلق باذهبا ( المراد أنه متعلق به مع ما بعده تعلقا معنويا إذ بمجرد الذهاب لا يحصل له تذكر وخشية وكونهما لهما مهابة يقع بها في قلبه ما ذكر ليس بشيء إلا أنه على هذا ليس بينه وبين ما بعده كبير فرق فلعل المراد بالذهاب الذهاب بالآيات كما يدل عليه ما قبله. قوله :( باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما الخ ( إشارة إلى أن الرجاء منهما لا من الله فإنه لا يصح منه، وقد مر تحقيقه، وقوله : أنه الضمير إفا للأمر أو للرجاء أو للشأن ويثمر بمعنى يفيد وقد تنازع هو ويخيب سعيكما وقوله : فإن الراجي الخ يعني أنه أمرهما بما ذكر مع الرجاء ليجتهدا ويجدا فيه لأنه شأن الراجي بخلاف من أيس من شيء فإنه لا يجذ فيه ولا يباشره مباشرة تاقة عن صميم قلب. قوله :( والفائدة في إرسالهما الخ ( إرسالهما من قوله : اذهبا الخ والمبالغة من قوله لعله الخ، كما مر وهذا رد على الإمام رحمه الله في قوله : هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله لأنه لما علم أنه لا يؤمن قط كان إيمانه ضدا لذلك العلم الذي يمنع إيمانه فيكون سبحانه عالما باستحالة إيمانه فكيف أمر موسى عليه الصلاة والسلام بذلك الرفق وكيف بالغ في الأمر بتلطيف دعوته إلى الله مع علمه بامتناع حصول ذلك منه فلا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم
وترك الاعتراض ولا شبهة في أق في أفعاله حكما ومصالح تترتب عليها، وإن العقل طالب الوقوف عليها بقدر الإمكان ولا ضير في عدم الوقوف