ج٦ص٢٠٦
في قوله : عند ربي لإيهامه أن علمه تعالى بها مخصوص بتلك الحال أو ناشئ منه. قوله :( ويجوز أن يكون تمثيلا ( فيشبه علمه تعالى بتفاصيل الأمور علما ثابتا لا يتغير بمن علم شيئا علما متقنا وكتبه في جريدته حتى لا يذهب أصلا فيكون قوله لا يضل ربي ولا ينسى ترشيحا للتمثيل واحتراسا أيضا لأن من يفعل ذلك إنما يفعله لخوف النسيان، والله تعالى منزه عنه دمانما تثبت معلوماته في اللوح المحفوظ ليطلع عليها الملائكة فتعلم أن ما فيه معمول معلوم له فالكتاب على هذا بمعناه اللغوي وهو الدفتر لا اللوح المحفوظ فسقط ما قيل إنه إنما يستحسن هذا إذا لم يوجد اللوح فلا مجال للاستعارة أصلا. قو-له :) ويؤيده لا يضل ربي الخ ( وجه التأييد ما عرفت من أنه ترشيح مناسب للمستعار منه، وأيضا عدم الضلال والنسيان يناسب إتقان العلم لا كتابته فإن من يكتب قد يغيب عنه كتابه وينسى ما فيه، وقيل : وجه التأييد أن قوله : لا يضل الخ تذييل لتأكيد الجملة السابقة وعلى الأول هو تكميل لدفع ما يتوهم من أن إثباتها في اللوح لاحتياجه إليه لاحتمال خطأ أو نسيان تعالى عنه فلا وجه لما قيل إن المصنف رحمه الله لم يتنبه لما قاله فحمله على التمثيل وإنما يظهر عدم تنبيهه لو اقتصر على احتمال التمثيل وليس كذلك ولا تأييد فيما ذكره أصلا كيف وهو على الأول تأسيس وعلى هذا تأكيد كما اعترف به والتأسيس أولى، نعم ما ذكره من الاعتراض ساقط كما عرفت، وقوله : والضلال الخ محصله فقد الشيء وعدم معرفة مكانه وهو حاضر في الذهن، والنسيان أن يغيب عن الذهن وان كان يعلم مكانه وأن تذهب وقع في نسخة وأن تذهب بدله، وقوله : على العالم بالذات أي على من علمه صفة ذاتية لا صورة عارضة قد يذهل عنها وليس المراد أن علمه عين ذاته كما هو مذهب المعتزلة. قوله :( ويجوز أن يكون سؤاله الخ ( لما قال أولا ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عطف عليه وجها آخر يغايره بكونه دخلا والفاء في محلها أيضا لتعلقه بجواب موسى عليه الصلاة والسلام هاحاطة القدرة من قوله : أعطى كل شيء كما مر، وتخصيصه معطوف على الأشياء وهو مبنيئ على التفسير الأول، وقوله : بأن ذلك متعلق بقوله دخلا، واستدعاؤه للعلم ظاهر وتمادى المدة تباعدها، وتباعد أطرافهم بمعنى كثرتهم، وقوله : لا يضل أي عنه ولا ينساه، ويصح قراءة ينسى مجهولا وهذا ما في الكشاف بعينه إلا أنه أسقط
منه قوله : ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان كما يجوز أن عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل إشارة إلى أن قوله لا يضل الخ على هذا من تتمة الجواب وفيه تعريض به يستلزم إبطال دعواه الربوبية ولذا أقيم الظاهر مقام المضمر وهو أمر حسن كان ينبغي ذكره، وتخصيص القرون الأولى عليه مع أولوية التعميم لعلم فرعون ببعضها وبذلك يتمكن من معرفة صدق موسى عليه الصلاة والسلام أن بين أحوالها، وقيل إنه لإلزام موسى كي! وتبكيته عند قومه في أسرع وقت لزعمه أنه لو عمم ربما اشتغل موسى عليه الصلاة والسلام بتفصيل علمه تعالى بها فتطول المدة ولا يتمشى ما أراده فسقط ما قيل إنه يأبى هذا الوجه تخصيص القرون الأولى من بين الكائنات فإنه لو أخذها بجملتها كان أظهر وأقوى في تمشية مراده. قوله :( مرفوع صفة لربي أو خبر لمحذوف الخ ( قال الإمام معينا لأحد الوجوه لأمر حجا كما قيل يجب الجزم بأنه خبر مبتدأ محذوف إذ لو كان وصفا أو نصبا على المدح لزم أن يكون من كلام موسى عليه الصلاة والسلام، وهو باطل فإن قوله : فأخرجنا حينئذ إفا من كلام موسى أو من كلامه تعالى، ولا سبيل لهما لأن قوله : بعده كلوا وارعوا الخ لا يليق بموسى عليه الصلاة والسلام، والفاء تتعلق بما بعدها فلا يكون من كلام الله وما قبله من كلام موسى عليه الصلاة والسلام فلم يبق إلا أن كلام موسى ﷺ تتم عند قوله : ولا ينسى وابتداء كلام الله من قوله : الذي جعل لكم الأرض الخ ورد بأنه يحتمل وجهين أحدهما ما ذكره الإمام كأنه تعالى لما حكى كلام موسى عليه الصلاة والسلام إلى قوله : لا يضل ربي ولا ينسى سئل ما أراد موسى بقوله : ربي فقال الذي الخ فهو استئناف بياني خبر مبتدأ محذوف، والثاني أنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وأنه لما سمع هذا من الله أدرجه