ج٦ص٣٣٣
ولذا فسره المصنف بلعل بني إسرائيل وأمّا كونه أريد بموسى قومه كما يقال تميم وثقيف فيرد عليه أنّ المعروف في مثله إطلاق أبي القبيلة عليهم واطلاق موسى على قومه وفرعون على ملئه ليس من هذا القبيل وان كان لا مانع منه ثم إن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما مرّ في سورة هود في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ﴾ الآية إذ جوّز فيها إرادة التوراة والقول بأنّ تمام الإرسال ودوامه إرسال فيصح ملابسته للتوراة ولو بعد غرق فرعون وقوله لعلهم يهتدون هنا مانع منه. تكلف وتعسف وأقرب منه أن يقال إن كونه كذلك وجه لهم والمصنف ليس على يقين منه لأنه استشهد في الكشاف على أق نزولها بعد غرقه بقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى ﴾ وردّ بأنه لا سبيل إليه ضرورة أنه ليس المراد بالقرون الأولى ما يتناول قوم فرعون بل هم من قبلهم من المهلكين خاصة كقوم نوج وهود وصالح ولوط كما سيأتي في القصص ولا يخفى أنّ تقييد الأخبار بإتيانه التوراة بأنه بعد إهلاك من قبله من الأمم معلوم فلو لم يدخل هؤلاء فيهم لم يكن فيه فائدة. وأمّا ما ذكر ثمة من النكتة فيه فسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى. قوله :" لى المعارف والأحكام ) قيل الاهتداء بالعمل بشرائعها ومواعظها لأنّ
الاهتداء بالكتب الإلهية إنما يحصل بالعمل بما فيها لا بعلمها وردّ بأنّ المراد بالأحكام الأحكام العملية فتفسيره شامل للعلم والعمل وهو أفيد. وقوله لا بعلمها مما لا وجه له فإنّ فيها ما هو محض اعتقاد وإذعان كالعقائد وما هو عمليّ كالفروع. وكونه من الاقتصار على ما هو الأصل والعمدة وان جاز لا داير له مع تحمل عبارته للتعميم وهو أولى. قوله :( بولادتها إياه ) يعني أنه كان المتبادر آيتين فجعلهما آية واحدة لأن الخارق للعادة أمر واحد مشترك بينهما وهو ولادتها من غير زوج هو أب له فافرده لأنه مفرد في الواقع متعدد باعتبار أنه أمر نسبيّ متعدد باعتبار طرفيه أو هو على تقدير مضاف أي حالهما أو ذوي آية أو هو على حذف آية من الأوّل لدلالة الثاني عليه ولم يجعل الحذف من الثاً ني لما فيه من عدم الفصل على هذا وفي الآخر الفصل بين المفعولين وليس هذا من التنازع كما توهم ولك أن تقول إن إفراده لأن الآية إذا كانت بمعنى المعجزة أو الإرهاص فإنما هي لعيسى عليه الصلاة والسلام لنبوّته دون مريم والسؤال إنما يتاتى إذا أريد أنها آية على قدرة الله وقوله بأن تكلم في المهد الخ قيل عليه إنه يدلي على أنّ تكلمه ﷺ في المهد معجزة له وهو مخالف لجعله قوله في المهد وجعلني نبياً من التعبير بالماضي عما يستقبل الخ وليس بشيء لأنه في المهد لا يتصؤر دعوته ﷺ للخلق حتى يكون نبيا بالفعل وما صدر منه إرهاص وتسميته معجزة تجوز كما لا يخفى فلا غبار عليه. قوله :( وآويناهما إلى ربوة ) لأنّ الملك همّ بقتله ففرّت به والربوة ما ارتفع من الأرض دون الجبل ودمشق علم لولد لنمروذ سميت به المدينة كما قاله أبو عبيدة وقرى مصر كل واحدة منها على ربوة مرتفعة لعموم النيل في زيادته لجميع أرضها كما هو مشاهد، ورباوة بمعنى ربوة وبيت المقدس قيل إنه أرفع بقعة في الأرض! ولذا كان المعراج ورفع عيسى عليه الصلاة والسلام منه وقوله : مستقرّ من الأرض منبسطة يعني به أنّ القرار بمعنى الثبات ويكون بمعنى مستقرّ كما مرّ وكون الربا الهضبات قازة ثابتة معلوم لا فائدة في التوصيف به فالمراد أنها ربوة في واد فسيح تنبسط به نفس من يأوي إليه أو المراد أنها محل صالح لقرار الناس لما فيه من الزروع والثمار وهو المناسب لقوله ومعين فقوله مستقرّ تفسير للمضاف أو المضاف إليه ومنبسطة بمعنى مستوية، ويجوز أن يريد سارة فإنه يستعمل بهذا المعنى. قوله :( وماء معين ( إشارة إلى أنه صفة موصوف مقدر وقوله ظاهر جار تفسير له على الوجوه الآتية واختلف في وزنه فقيل الميم أصلية ووزنه فعيل من معن بمعنى جرى ويلزمه الظهور لأن الماء الجاري
يكون ظاهر أو المراد اللزوم العرفي الاغلبي فلا يرد عليه إنّ من الماء ما يجري تحت الأرض وأصل معناه الإبعاد ومنه أمعن النظر وقوله أو من الماعون وهو المنفعة أي أو هو ماخوذ من الماعون ومشتق منه بالاشتقاق الكبير وهو المنفعة وله معان أخر فإطلاقه على الماء الجاري لنفعه واليه أشار بقوله لأنه الخ. قوله :( أو مفعول ) أي وزنه في الأصل مفعول فأعل إعلال معيب وبابه