ج٦ص٧٥
الفقار وقد رذه ابن الأثير في النهاية وغيره بأنه لم يوجد في شيء من كتب اللغة والشرع لكن الزمخشري ثقة واسع الاطلاع وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وقوله إذا ولوا عن الإيمان فسره به لأن الأثر إنما يكون بعد التولي والذهاب لكنه هنا ذهاب معنوي لا حقيقي بجعل من لم يتبع كالغائب وليس هذا لأجل التعدية كما توهم.
قوله :( شبهه لما يداخله من الوجد ( أي الحزن على فوت ما يحب يعني أن قوله :﴿ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾ على آثارهم فيه إشارة إلى أن فيه استعارة تمثيلية بتشبيه حاله معهم وقد تولوا وهو أسف من عدم هدايتهم بحال من فارقته أحبته فهتم بقتل نفسه أو كاد يهلك وجداً فقوله : لما يداخله الخ داخل في المشبه وليس المشبه هو فقط كما توهمه العبارة حتى ينافي التمثيل، وقيل
إن كلامه يحتمل أن يكون إشارة إلى وجه آخر غير المذكور في الكشاف وهو أن لا تكون تمثيلية بلى تشبيهاً لذكر طرفيه وهما النبيّ ﷺ وباخع وتقديره كباخع نفسك بأن يشبه لشدة تهالكه على الأمر بمن يريد قتل نفسه لفوت أمر وله وجه إلا أنه خلاف الظاهر، وقوله : بمن فارقته الخ يشير إلى أن توقع البخع لعدم إيمانهم في الماضي، وقوله : بهذا القرآن قيل إنه يدل على حدوثه ولو سلم فلا بأس به لأن الألفاظ حادثة عند المصنف، وقوله : للتأسف الخ، يشير إلى أنّ نصبه إما على أنه مفعول لأجله أو حال بتأويله بمتأسفا لأن الأصل في الحال الاشتقاق وقد جوّز فيه أن ينتصب على أنه مصدر فعل مقدر أي تأسف أسفا. قوله :( والأسف فرط الحزن والغضب ( قيل إنهم فرقوا بين الأسف والغضب بأنّ الأسف الحزن لفعل يخالفه مع عدم القدرة على الانتقام والغضب ممن يقدر عليه، قال ابن عطية وهو مطرد في استعمال العرب وأورد عليه أنه مخالف لقوله تعالى :﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٥٠ ا ] إذ جمع بينهما في شيء واحد فلا يقتضي تخالف معناهما، ودفع بأن كلا منهما بالنسبة إلى بعض من القوم، كهارون وغيره ( قلت ( ما ذكره المعترض! والمجيب غير مسلم أمّا الأوّل فلأنّ كتب اللغة لا تساعده، وأما الثاني فلأنه لا مجال له في قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ سورة الزخرف، الآية : ٥٥، وقد قال الإمام الراغب وهو قدوة المصنف في اللغة الأسف الحزن والغضب معاً وقد يقال لكل منهما على الانفراد، وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من هو دونه انتشر فصار غضباً ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا ولذلك سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الحزن والغضب فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف اهـ، فقوله : والغضب بالجرّ عطف على الحزن لا مرفوعا عطفا على فرط كما توهم وليس مشتركا حتى يكون من استعمال المشترك في معنييه فلا يغرّنك ما وقع لبعضهم هنا من التطويل بغير طائل، والقراءة المشهورة بأن الشرطية والقراءة بأن المفتوحة المصدرية على تقدير الجار كما ذكره المصنف. قوله :( فلا يجوز إعمال باخع الخ ( يعني أنه اسم فاعل وعمله مشروط بكونه للحال أو الاستقبال ولا يعمل وهو للمضي وإن الشرطية تقلب الماضي بواسطة لم وغيره إلى الاستقبال بخلاف أن المصدرية فإنها تدخل على الماضي الباقي على مضيه كما هو مقرّر عندهم، ورد بأنه لا يلزم من مضيئ ما كان عليه الشيء مضيه فكم من حزن مستقبل على أمر ماض سواء استمر أو لا فإذا استمر فهو أولى لأنه أشد نكاية فلا حاجة إلى حمله على حكاية الحال وأما توجيه صاحب الكشف له بأنه إذا كان علة البخع عدم الإيمان فإن كانت العلة مضت فالمعلول كذلك وإن كانت بعد فهو مثلها وفي العدول عن المضيّ إلى الحال دلالة على استحضارها واستمرارها ا هـ، فغير مسلم لأنّ هذه ليست علة تامّة حقيقة حتى يلزم ما ذكر، وإنما هي منشأ وباعث فلا يضر تقدمها وكذا اذعاء أنه تفوت الفبالغة حينئذ في وجده على
توليهم لعدم كون البخع عقبه بل بعده بمدة بخلاف ما إذا كان للحكاية فإنه لا وجه له بل المبالغة في هذا أقوى لأنه إذا صدر منه لأمر مضى فكيف لو استمرّ أو تجدد فتدبر. قوله :( زينة لها ولأهلها ( ليس المراد تقدير انمضاف بل بيان لأن زينة الأرض شامل لزينة أهلها ودال عليهم بقرينة ضمير لنبلوهم والأمان صلة زينة وليست ثانية تعليلية، وقوله : في تعاطيه أي تناوله وضمير لما عليها. قوله :( وهو ( أي الأحسن عملا من زهد وقنع منه بزاد المسافر وبعده