ج٦ص٨٩
هؤلاء
فيمدحوا به لكثرته في رعاء الشاء فيلاحظ فيه معنى وهو أنّ أخس الحيوانات تصذي لحفظهم وبذل نفسه في ملازمة أعتابهم حتى التحق بهم وعد معهم وتشرف بذكر الله له، ولذا قال خالد بن معدان : ليس في الجنة من الدواب إلا كلب أهل الكهف وناقة صالح وحمار العزير، وقال بعضهم : من أحب أهل الخير نال بركتهم... كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله معهم في القرآن، فالتنظير في مجرد ذكر أمر عام يلوّح إلى أمر خاص هو المقصود منه والداعي إلى ذكره وبهذا يتعين كونه صفة في الآية والحديث لأنه الأصل في الجمل المادحة فهو نظيره مع قطع النظر عن الصفتين والموصوفين، ولذا قال : كلا ولا ولم يذكر التثمين لاحتماله التلقين كما مرّ، قال : في قوانين البلاغة من محاسن الكلام نوع يقالى له التتبيع وهو أن يتجاوز عن المذكور إلى معنى آخر، كقوله :
نؤم الضحا لم تنتطق عن تفضل
أراد أنها مترفة مخدومة من بنات ذوي النعم والا فلا مدح فيه، وهذا ما أشار إليه قدّس
سره وإنما أطلنا ذيول الكلام فيه للحمية العلمية فإن بعض أهل العصر لم يفهمه فشنع عليه قائلا أنه سوء أدب يؤذي إلى الافتضاح في يوم تشخص فيه الأبصار حيث قابل جناب رب العالمين بأخس مخلوقاته وكفره بهذا ونسب إليه ما لا يصدر عن عاقل فضلا عمن كان في عصره صدر الأفاضل، وكتابه المذكور يقرأ وينسخ على صفحات الدهور. قوله :( فلا تجادل في شأن الفتية الخ ) فسر المماراة بالمجادلة وقد فرق بينهما الراغب بأن المجادلة المحاجة مطلقا والممارة المحاجة فيما فيه مرية أي تردد لأنها من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب، وقوله : من غير تجهيل لهم أي تصريح بذلك وان كان في قص ما يخالفهم ذلك، وقوله : ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم الخ لأنّ السؤال إما للاسترشاد أو للتعنت وكلاهما غير لائق بمقامه تخيب، كما أشار إليه، وأمّا كونه لتطييب خواطرهم أو ليظهر عدم علمهم فيرشدهم إليه كما يسأل الأستاذ تلميذه عن مسألة ثم يدّكرها له فلا مغ منه إن اقتضته الحال، والمندوحة السعة والمراد بها هنا الغني عنه، والتزييف بيان زيف الدراهم أي مغشوشها وهو هنا بمعنى الردّ استعارة منه. قوله :( نهى تأديب ) أي المقصود تعليمه ذلك كما سيبينه وقوله : حين قالت الخ ظرف قوله : نهى
تأديب، وقوله : فسألوه فقال في نسخة فقال بدون فسألوه فالفاء فصيحة. قوله :( ولم يستثن ) أي لم يقل إن شاء الله فإن الاستثناء يطلق على التقييد بالثرط في اللغة والاستعمال كما نص عليه السيرافيّ في شرح الكتاب، قال الراغب : الاستثناء رفع ما يوجبه عموم سابق كما في قوله : قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو رفع ما يوجبه اللفظ كقوله : امرأته طالق إن شاء الله اهـ، وفي الحديث من حلف على شيء فقال : إن شاء الله فقد استثنى فما قيل إن كلمة إن شاء الله تسمى استثناء لأنه عبر عنها هنا بقوله : إلا أن يشاء الله ليس بسديد، وكذا ما قيل إنها أشبهت الاستثناء في التخصيص فأطلق عليها اسمه، وقوله : بضعة عشر يوما في السير أنه في قول ابن إسحق : خمسة عشر يوما وفي سير النعمى أنه أبطأ عنه ثلاثة أيام، وقوله : وكذبته أي شنعت في تكذيبه واستمرت عليه. قوله :( والاستثناء من النهي أي ولا تقولق لأجل شيء ) يعني أن اللام لام الأجل والتعليل لا لام التبليغ، وقوله : تعزم عليه تخصيص للشيء بقرينة المقام، وقوله : فيما يستقبل إشارة إلى أن اسم الفاعل مراد به الاستقبال لأنه حقيقة فيه والى أنّ الغد ليس المراد به اليوم الذي يلي يومك بعينه بل ما استقبلك مطلقا قيل ولا مانع من إرادة ذلك، وقوله : إلا بأن يشاء الله إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال المقدرة بعده وفيه باء ملابسة مقدرة قبل أن أي لا تقولن إني فاعل شيئا غداً ملتبساً بحال من الأحوال إلا ملتبسا بحال مشيئة الله أي بأن تذكرها فتقول إني فاعله إن شاء الله، فقوله : ملتبسا إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال، وقوله : قائلاً تفسير لمعنى الملابسة بينه وبين المشيئة، وقيل إنه إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدرا أي بذكر مشيئة الله، قال في الكشف لأن التباس القول بحقيقة المشيئة محال، ورد بأن معنى التباسه بها تعلقها على مذهب أهل الحق لا الالتباس الحسي فالصواب أن يقال : إنه لو أريد الالتباس بحقيقة المشيئة لم يبق للنهي معنى إذ كل موجود كذلك، وفيه أنّ ما ذكره ليس من التباس حقيقة المشيئة في شيء بل هو


الصفحة التالية
Icon