ج٦ص٩٢
( فيكون من مقول سيقولون السابق وما
بينهما اعتراض، ويؤيده أنه قرئ وقالوا : ويكون ضمير وازدادوا لأهل الكتاب، وهو في الأول لأهل الكهف ويظهر فيه وجه العدول لأنّ بعضهم قال : ثلثمائة وبعضهم قال إنه أزيد بتسعة. قوله :( بالإضافة على وضع الجمع موضع الواحد ( إشارة إلى أنّ الأصل في تمييز المائة أن يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وأمّا نصبه فشاذ كقوله :
إذا عاش الفتى مائتين عاما
وأمّا على قراءة التنوين هنا فليس تمييزاً كما سيأتى بيانه، فلذا قال إنّ الجمع فيه وضع
س ضع الواحد الذي هو الأصل، وقد تبع فيه الزمخشري، وهو مخالف لقول ابن الحاجب أنّ الأصل في التمييز مطلقاً هو الجمع لكنه يعدل عنه لغرض، ولك أن تجمع بينهما بأن الجمع أصل بحسب الوضع الأصلي والقياس والأفراد أصل بحسب الاستعمال لغلبته فيه بلا شبهة ولولا هذا الاعتبار لكان قوله : هذا مخالفا لقوله، والأصل في العدد إضافته إلى الجمع وتوله : إنّ علامة الجمع فيه جبر أي ليست متمحضة للجمعية لأنّ أصل هذا الجمع أن يكون للمذكر العاقل السالم، وهذا ليس كذلك ولكنهم قد خالفوه فيما حذف منه حرف كسنين وثبين وعضين جبرا له، فلكونها كالعوض أجرى مجرى ما لا علامة جمع فيه، وأصل سنة سنهة أو سنوة على الخلاف فيه وما قيل من أن كلامه هذا يشعر بأن الوضع المذكور صحيح في نفسه والأمران محسنان وليس كذلك، فالأولى أن يجعل ثانيهما مصححا والأوّل محسنا ليس بشيء لأنه لا شك في صحته في نفسه كما صرّح به في التسهيل. قوله :( ومن لم يضف أبدل السنين من ثلاث ) أو جعله عطف بيان وهو أولى وجوّز فيه الجرّ على أنه نعت لثلثمائة ولم يجعله تمييزاً لما مرّ، وقال الزجاج : لو كان تمييزاً لزم أن يكونوا لبثوا تسعمائة سنة، قال ابن الحاجب : ووجهه أنه فهم من لغتهم أنّ مميزا لمائة واحد من مائة كما إذا قلت : مائة رجل، فإنّ كل واحد من المائة رجل، ولو كان كل واحد من الثلثمائة سنين وأقلها ثلاثة كانت تسعمائة سنة، ورد بأنّ هذا الذي ذكره مخصوص بالتمييز المفرد وأمّا إذا كان جمعا كثلاثة أثواب فلا، بل هو كتقابل الجمع بالجمع ولا وجه لتخصيص هذا الإشكال بنصب سنين تمييزاً كما في شروح الكشاف بل هو وارد على الإضافة أيضاً وقد نقله الرضي عن ابن الحاجب فقال : وهذا الذي ذكره الزجاج يرد على قراءة حمزة والكسائيّ بالإضافة، فتدبر. قوله : اله ما غاب فيها وخفي ) يعني أنّ غيب مصدر بمعنى الغائب والخفي جعل عينه مبالغة فيه ومن أحوالها بيان لما، وقوله : فلا خلق أي مخلوق من الأجسام ونحوها يخفى عليه لأن من علم خفي الأحوال ومغيبها علم غيرها بالطريق الأولى ولذا أتى بالفاء التفريعية، وعلما تمييز. قوله :( للدلالة على أنّ أمره ني الإدراك الخ ) قيل
يعني ليس المراد حقيقة التعجب لاستحالته عليه تعالى، فالمراد أنه أمر عظيم من شأنه أن يتعجب من أمثاله ) أقول ( التعجب من العجب وهو ما يعرض عنه استعظام الأشياء التي تجهل أسبابها وتقل، وصدوره من الله بلفظ العجب أو ما يدل عليه لا يجوز كما صرّج به في الكشاف في محل آخر وذكره عامة النحاة ولذا أوّلوا ما ورد في الحديث من قوله جمييه :" عجب ربكم، ونحوه وأما صدوره من الناس بأن يتعجبوا من بعض صفات الله أو أفعاله، كقولهم : ما أعظم اللّه، وفي الحديث ما أحملك عمن عصاك وأقربك ممن دعاك وأعطفك على من سألك وقال الشاعر :
ما أقدر الله أن يدني على شحط من داره الحزن ممن داره صول. ٠٠
وهو كثير في كلامهم فقد ارتضى أكثر أهل العربية كالمبزد والفارسي أنه جائز، وسئل ابن
هشام عنه فكتب رسالة في جوازه وما نحن فيه من القبيل الثاني لاندراجه تحت القول، وقد جوّزوا فيه أن يكون حقيقة فما ذكروه ناشئ من عدم الفرق بين المقامين وليس هذا محل تفصيله، فإن قلت بعدما بين الله مدة لبثهم بقوله :﴿ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [ سورة الكهف، الآية : ٢٥ ] ما وجه ذكر :﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ [ سورة الكهف، الآية : ٢٦ ] قلت أما على الوجه الثاني وهو أنه حكاية عن تردد أهل الكتاب في أنه ثلثمائة وتسع فظاهر وأما على الأوّل فالمراد أنّ الله أعلم


الصفحة التالية
Icon