ج٧ص٢٣٥
القصة تدل على زوال الإنكار عن جمع منهم فالكلام بالنسبة إلى هؤلاء ابتدائي لأنّ هؤلاء لم يذكر حالهم في النظم، وإنما ذكر المنكرون لأنهم الأكثر ولأنّ المراد ذكر حال من طغى وتجبر وإنما أطلنا الكلام في هذا المقام لما وقع فيه من الأوهام.
قوله :( وهو ) أي كون ما بلغ نبينا بأنباء بينة هو المحسن للاستشهاد بعلمها لله الذي هو
في معنى القسم في قولهم ربنا يعلم الخ ولولاه لم يحسن إذ قسم المدعي، ونحوه مما يصدر عن العاجز عن الدليل الذي لا متشبث له خصوصا بعلم الله الذي لا يطلع عليه أما إذا قاله تحقيقاً وتأكيداً لحجته البينة فلا. قوله :( تشاء منا بكم ) أصل معناه كان في التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم، وقوله لاستغرابهم الخ أو لما وقع بينهم من افتراق الكلمة أو الشدائد ومنع المطر وهذا ديدن السفهاء في التبرك بما يوافق أهواءهم والتشاؤم بغيره، وقوله سبب شؤمكم لأنّ الطائر يتشاءم به فهو سبب له فتجوز به عن مطلق السبب، وقوله طيركم معكم الطير يكون جمع طائر ومفرداً بمعناه كما في كتب اللغة، والأوّل أكثر فيحمل عليه ويفسر بأسباب التثاؤم
من الكفر والمعاصي، وتركه المصنف وحمه الله لظهوره مما ذكر لأنّ طائركم وان كان مفرداً لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع، والقراءتان متوافقتان على كل حال ولا حاجة إلى تفسير الطير بالطائر ليتوافقا كما قيل، ويؤيده أنه لم يقع في القرآن إلا جمعا كقوله :﴿ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ﴾ [ سورة النور، الآية : ٤١ ] وقال! الزجاج لا أعلم أحداً قرأ طيركم بدون ألف والزمخشري ثقة إذ مثل هذا لا يتجاسر عليه بدون نقل. قوله :( وجواب الشرط محذوف ) قال المعرب اختلف سيبويه، ويون! فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه ويونس إلى إجابة الشرط فيقدر. سيبويه تتطيرون، ويونس تتطيروا مجزوما وعلى القولين جواب الشرط محذوف انتهى فجواب الشرط مثل تطيرتم، أو توعدتم بالرجم والتعذيب وقال أبو البقاء قدره كفرتم وردّه الطيبي بأنّ الكلام مع الكفار الموجود كفرهم فلا يعقد الشرط وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما فالقول بأنه على مذهب يونس، وهم ولو قدّر قلتم ما قلتم ونحوه مما يعم حسن. قوله :( وقد رّيدت ألف بين الهمزتين ) القراء السبعة على أنها همزة استفهام بعدها إن الشرطية وأصولهم في مثله التحقيق، وادخال ألف بين الهمزتين أو التسهيل أو حذف الألف على ما يعرفه أهل الأداء وهذه قراءة أبي عمرو وقالون وهشام وعبر فيها بالمجهول وما للاختصار فلا اعتراض عليه بناء على أنه يعبر به في الشواذ مع أنه لم ينقل عنه مثله ولم يلتزمه، وقوله بفتح أي قرئ بغتح أن المصدرية فقبلها لام جرّه مقدرة، وهذه القراءة مع همزة الاستفهام وما بعدها بدونها- مع الفتح والكسر فإمّا أن تكون همزة الاستفهام مقدرة قبلها لتوافق القراءة الأخرى أو بدونه فيكون على صورة الخبر كما في الكشاف، وهو مسوق للتعجب والتوبيخ أي تطيرتم إن ذكرتم أو لأن ذكرتم أو طائركم معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا على تعلقه بمقدر أو بطائركم على ما فصل في شرحه ولا بعد فيه كما قيل، وقوله وأين الخ أي قرئ بهمزة مفتوحة بعدها ياء ساكنة مع تخفيف الكاف وهي أبلغ لأنّ مجرد ذكرهم إذا أثر الشؤم فكيف بوجودهم المشؤم. قوله :( عادتكم الإسراف ) كونه عادة من تبوت الاسمية، والاسم وذكر قوم الدال! على شيوعه فيهم، وقوله في العصيان أو في الضلال الفرق بين الوجهين إنّ الإسراف إمّا في المعاصي أو في الضلال والغي والاضطراب على الأوّل على تقدير تسليم حصول الشؤم وسببه لكونه أضرب عما جعلوه سببا للشؤم إلى إثبات سبب آخر أعظم وأقوى منه وعلى الثاني الإضراب عن ذكر الشؤم وسببه إلى ذكر ضلالهم وغيهم وتماديهم فليس فيه، إثبات للشؤم ولا لسببه فلذا قال في الأوّل فمن ثتم
جاءكم الشؤم، وفي الثاني ولذلك توعدتم الخ هذا ما اختاره بعض شراح الكشاف وهو أحسن ما فيها من الوجوه والإضراب في الأوّل عن قوله طائركم معكم والجملة الشرطية معترضة، وعلى الثاني عن مجموع ما قبله لا عن قوله أئن ذكرتم كما قيل وقيل إنه لف ونشر على تقدير الجزاء فالأولى على تقدير تطيرتم والثاني على تقدير توعدتم فتأمل، وقوله أن يكرم ويتبرك به إشارة إلى أن ما هم فيه تعكيس لما يقتضيه النظر الصحيح. قوله تعالى :( ﴿ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ﴾ ) قدم الجاو والمجرور على الفاعل الذي حقه التقدم بيانا لفضله إد هداه الله مع بعده عنهم، وانّ بعده لم يمنعه عن ذلك، ولذا عبر بالمدينة هنا بعد


الصفحة التالية
Icon