ج٧ص٢٩٩
فإن قلت مقتضى ما في الكشاف حصرهم في الجندية بأن لا يتجاوزوها إلى القدرة على الأمور الربانية، وتقديم الخبر يفيده وما ذكره المعترض يفيد حصر الجندية فيهم، وهو غير مناسب للمقام فهو ناشئ من عدم الفرق بين القصرين والذي ذكر في الفاعل المعنوي كما بين في كتب المعاني، قلت هو كما ذكرت ولما وقع للزمخشري في قوله تعالى :﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [ سورة الأحزأب، الآية : ٤ ] تفسيره بلا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا سبيل الحق قال الشارح الطيبي طيب اللّه ثراه أما دلالة يهدي السبيل على الحصر فظاهرة لأنه على م!وال أنا عم قت وأما والله يقول الحق فلأنه مثل الله يبسط الرزق وهو عنده يفيد الحصر قال في عروس الأفواح هذا عجيب منه فإنّ أنا عرفت والله يبسط فيه حصر الفاعل أي لا يقول الحق إلا الله، والزمخشري لم يتعرّض! له بالكلية فإنه وجد المعنى على الحصر في الحق فصرح به فقال لا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا السبيل فلم يقف الطيبي على مراده مع وضوحه، وذهب في الكشف إلى أنّ الحصر مستفاد من التفخيم المدلول عليه بالتنكير وزيادة ما الدالة على الشيوع وغاية التعظيم لدلالتها على اختصاص الوصف بالجندية من بين سائر الصفات كأنهم لا وصف لهم سواه فقيل عليه لا نسلم أنّ تعظيم وصف الجندية يقتضي أن لا وصف لهم سواه، قلت : ما ذكره المدقق بعينه كلام السيرافي في شرح الكتاب قال : ما مزيدة في قولهم بجهدمّ يبلغن تشبيها لدخولها في هذه الأشياء بدخولها في الجزاء لما كان لا يبلغ إلا بجهد صار كأنه غير واجب، وهو يقال لمن لا ينال المراد إلا بمشفة وهذا من المفهوم لأنه إذا نال أمرا بجهد عظيم لم يصل له بدونه، وقيل إفادته الحصر أنه كان حق الجند أن يعرف لكونه معلوما فنكر سوقا للمعلوم مساق المجهول كأنه لا يعرف منهم إلا هذا القدر وهو أنهم جند بهذه الصفة، كما في قوله :﴿ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ ﴾ [ سورة سبا، الآية : ٧ ] إذا الخ كأنهم لا يعرفون من حاله إلا أنه رجل يقول كذا. قوله :( مهزوم مكسور عما قردب ) في شرح المحقق للكشاف إن قرب الانهزام مفهوم من تعبيره عما لم يقع باسم المفعول المؤذن بالوقوع فكأنه محقق لشدة قربه، ويؤيده اسم الإشارة وهو هنا أيضا ومكسور بمعنى مهزوم مجاز مشهور ولم يستعمل قديما وعما ما فيه زائدة وعن بمعنى بعد أي بعد زمن قريب والمتحزبين الصائرون أحزابا. قوله :) وما مزيدة للتقليل كقولك كلت شيئاً مّا الخ ) عدم ملاءمتة لما بعده من كونهم مهزومين مما يترإءى في بادئ النظر دون دقيقه لأنّ السياق مناسب له إذ كون الخزائن عندهم والارتقاء إلى أعلى المقامات لما كان استهزاء بهم ناسب وصفهم بانعظمة أيضاً اسنهزاء فهي بحسب اللفظ عظمة، وكثرة وفي نفس الأمر أقل قلة وكذا توله هنالك محلى تفسيرهم فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض، والمعروف في كلامهم كونها للتعظيم
نحو لأمر ما جدع قصير أنفه لأمر مّا يسود من يسود مع أنه تسلية للنبيّ ﷺ وتبشير بانهزامهم والتبشير بخذلان عدوّ حقير ربما أشعر بإهانة وتحقير :
ألم تر أنّ السيف ينقص قدره إذا قيل أنّ السيف أمضى من العصى
وكون ما حرفا زائداً أحد قولين، وقيل هي اسم وأما كونها نافية فمما لم يقله أحد من
أهل العربية ولا يليق بالمقام. قوله :( وهنالك إشارة ا لأنه وضع للإشارة إلى المكان البعيد فاستعير هنا للمرتبة من العلوّ والشرف، وهو معنى قوله حيث وضعوا فيه أنفسهم وقد جوّز فيه أن يكون حقيقة للإشارة إلى مكان تقاولهم وهو مكة، والانتداب مطاوع ندبه لكذا فانتدب له إذ ادعاه فأجاب وقد كني به هنا عن نصب أنفسهم له والتقييد به، وهذا القول ما سبق في شأن النبوّة من قولهم أأنزل عليه الذكر من بيننا، وهنالك صفة جند أو ظرف مهزوم وتفصيل إعرابه في الدرّ المصون. قوله :( ذو الملك الثابت ) هو صفة لفرعون لا لما قبله والا لقال ذوو والظاهر أنه شبه فرعون في ثبات ملكه بذي بيت ثابت أقيم عموده، وثبتت أوتاده تشبيها مضمرا في النفس على طريق الاسنعارة المكنية، وأثبت له ما هو من خواصه تخييلا وهو قوله ذو الأوتاد فإنه لازم له ولا حاجة إلى تكلف أنّ فيه كناية حيث أطلق اللازم، وأريد الملزوم وهو الملك الثابت فإنه لا وجه له. قوله :( ولقد غنوا الخ ) هو من شعر للأسود بن يعفر شاعر جاهلي من قصيدة أوّلها :
نام الخلي وما أحس رقادي والهمّ محتضر لدى وسادي