ج٨ص١١٤
القصر من ضميري الفصل، واعترض عليه بأن أعلم بمعنى عالم لا أفعل تفضيل ليصح كونه تعليلاً للأمر بالإعراض، والضمير إنما يكون فصلاً إذا كان اسم تفضيل فالصواب إنه مبتدأ، والقصر مأخوذ من السياق وبيان الحكم، وبدفع بأنهم أجازوا فيه التفضيل وغيره كما ذكره السمين، وأمّا صحة التعليل فلا تتوقف على كونه بمعنى عالم بل إذا كان أعلم على بابه فالتعليل أظهر كما لا يخفى على من له بصيرة. قوله :( من يجيب ممن لا يجيب الخ ) قيل عليه الصواب تأخير الجلالة عن مفعول يعلم إذ المعنى لا يعلم من يجيب ممن لا يجيب إلا الله، وعلى تقديمها يكون المعنى ما يعلم الله إلا من يجيب ممن لا يجيب، وهو بمعزل عن الصواب إلا أن يقال : إنه قدم لئلا يتوهم أنه مفعول لا يجيب، وهو على نية التأخير، ولا يخفى أنّ ما ذكر من التقديم، والتأخير لا يرضا. إلا ذو التقصير، وعبارته في الكشاف إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب، وأنت لا تعلم، وتبعه المصنف مع اختصار مخل فيه، والعلم في مثله بمعنى التمييز كما أشار إليه شراح الكشاف، ولذا تعلقت به من، وحينئذ يجوز أن يكون المعنى إنما يريد الله تمييز من يجيب من غيره وتمييز الضالّ من المهتدي لا تمييز السالك على الدعوة الحريص على اتباع من دعاه من غيره، وحاصله ما عليك إلا البلاغ، وهذا لا يخلو من التعقيد، ولو قيل فيه تقدير، وأصله إنما يعلمه الله ليتميز من يجيب ممن لا يجيب كان أسهل، وباب التقدير باب واسع، وقوله : يجيب ولا يجيب تفسير لضل واهتدى، وعبر بالمضارع إشارة إلى أنه مستمرّ له ذلك في المستقبل، وأنه
عبر عنه بالماضي في النظم لتحقق وقوعه كما هو العادة الجارية في أخبار الله تعالى كما مز مراراً. قوله :( خلقاً وملكاً ) يعني أنه لحصر الاختصاص التام فيه تعالى، وذلك كونه له من جميع الوجو. فلا يتوهم أنه من استعمال اللفظ في معنييه حتى يحتاج للاعتذار عنه، وقوله : ليجزي الذين الخ. قيل : اللام متعلقة بقوله : لا تغني شفاعتهم ذكره مكيّ، وهو بعيد لفظاً ومعنى، وقيل : إنه متعلق بما دل عليه قوله ﴿ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ أي له ملكهما يضل من يشاء ويهدي من يشاء ليجزي المحسن والمسيء، وقيل : متعلق بمن ضل، وبمن اهتدى واللام للصيرورة أي عاقبة أمرهم جميعا للجزاء بما عملوا، وقيل : متعلق بما دل عليه قوله : بمن ضل أي حفظ ذلك ليجزي قاله أبو البقاء. قوله :( بعقاب ما عملوا من السوء ( فالباء صلة الجزاء بتقدير مضاف إمّ عقاب أو مثل لقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها أو هي للسببية، وقوله : وهو علة إشارة لما مرّ، وقوله : أو ميز إشارة إلى ما مرّ من أنّ علمه بالفريقين كناية عن تمييز من يستحق الثواب ممن يستحق العقاب ليظهر جزاؤه فجملة ولله ما في السموات الخ جملة معترضة لتأكيد علمه وبيان إحاطته، أو حال من فاعل أعلم سواء كان بمعنى عالم أو لا. قوله :( بالمثوبة الحسنى الخ ) فالحسنى صفة بمعنى الحسنى وموصوفها مقدّر وهو المثوبة أي الجزاء الحسن، والثواب والمراد به الجنة، وما فيها من النعيم أو الحسنى تأنيث أحسن اسم تفضيل، والباء عليهما صلة الجزاء، وعلى الأخير هي سببية، ولم يلاحظ في الأوّل زيادة كما توهم لأنه لا داعي له. قوله :) ما يكبر عقابه الخ ( يعني وصفه بالكبر باعتبار كبر جزائه، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال الكبائر : ما لا يسقط عقابه إلا بالتوبة، وقد اختلف في الكبائر أهل الأصول على أقوال كثيرة منها ما ذكره المصنف، وهو ما توعد عليه الشارع بخصوصه أو ما عين له حد كالزنا، وإذا أريد الجنس فعطف الفواحش عليه إمّا من عطف أحد المترادفين أو الخاص على العامّ، واختاره المصنف كما أشار إليه بقوله : خصوصاً، وقوله : ما قل الخ فاللمم الصغائر من الذنوب، واصل معناه ما قل قدره، ومنه لمة الشعر لأنها دون الوفرة، وقيل : معنا. الدنوّ من الشيء دون ارتكاب له. قوله :) والاستثناء منقطع ) على تفسيره بالصغائر، وما قبله بالكبائر فيكون انقطاعه ظاهراً، وقيل هو متصل، والمراد مطلق الذنوب، وقيل إنه لا استثناء فيه
أصلا، والا صفة بمعنى غير إما لجعل المضاف إلى المعرف باللام الجنسية في حكم النكرة أو لأن غير أو إلا التي بمعناها يتعرف بالإضافة، ولم يذكره المصنف كما في الكشاف لأنّ شرطه كونه تابعا لجمع منكر غير محصور عند ابن الحاجب إلا أنّ سيبويه جوّز وقوع إلا صفة مع جواز الاستثناء فهو لا يشترط ذلك، وتبعه أكثر المتأخرين فلا يرد ما ذكر على الزمخشري إن كان هو الداعي لترك المصنف له نعم هو خلاف الظاهر فلا داعي لارتكابه. قوله :) ومحل الذين الخ ) فهو صفة للذين قبله