ج٨ص٣٢٨
( بالكواكب الرواجع الخ ) النيران الشمس والقمر خصا بذلك لزيادة نورهما على نور غيرهما من الكواكب وما عداهما من السيارة هي الخمسة المسماة بالمتحيرة لأنها رجعت إلى الجهة التي تتحرك نحوها، وذلك بسبب التداوير التي تلك الكواكب مركوزة فيها لأنها غير محيطة بالأرض فحركة نصفها العالي مخالفة لحركة نصفها السافل فإذا تحرّك العالي للمشرق تحرّك السافل للمغرب، وبالعكس، وحركات الأفلاك التي فيها التداوير إذا وافقت حركة النصف الذي فيه الكواكب كان الكوكب مستقيماً سريع السير بمجموع الحركتين، اواذا خالفتها زادت حركة النصف على حركة الفلك فيكون راجعاً عن صوب حركته والشمس ليس لها تدوير على الأصح فلا رجعة لها، والقمر لسرعة حركة فلكه الحامل لتدويره لم تزد حركة تدويره عليه، ولذا سميت هذه متحيرة لأنّ لها رجعة واقامة واستقامة كما تقرّر في الهيئة، وقوله : ولذلك أي لكون المراد السيارة خاصة دون الثوابت. قوله :( السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس ( لصغر حجمها بالنسبة إليها وسميت سيارة لأنّ سيرها محسوس بخلاف الثوابت، وقوله : من كنس الوحش الخ فهو في الأصل مجاز بطريق التشبيه، ثم صار بالغلبة في الاستعمال حقيقة ومعنى الكناس ما ذكره المصنف رحمه الله. ءقوله :( أقبل ظلامه أو أدبر ) - فهو من الأضداد عند المصنف رحمه الله وقال الراغب : في مفرداته العسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل، ل! فهو من المشترك المعنوي عنده وليس من الأضداد، وقوله : وسعسع- قال صاحب القاموس في كتابه تحبير الموشين فيما يقال : بالسين والشين تشعشع الشهروتسعسع إذا ذهب أكثره، وكذا في القاموس ولم يذكره في الليل كغيره لكن صاحب الكشاف وكفى به ذكره في صفة الليل، ولم يجعله بمعنى أقبل ولا مقلوباً من الأوّل فالظاهر اختصاصه بمعنى الأدبار فقول المصنف رحمه الله إذا أدبر تفسير لسعسع وحده وليس من الأضداد كالأوّل، وأنما أعاد عسعس معه لبيان أنهما بمعنى واحد كما يشهد له كلام أهل اللغة ومن لم يقف على مراده قال : على هذا إنه لا يناسب ذكره في سياق كونه من الأضداد والأظهر تقديمه فتنبه. قوله تعالى :( ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ ) مناسبته لقرينه ظاهرة على التفسيرين لأنّ ما قبله إن كان للإقبالط فهو أوّل الليل، وهذا أوّل النهار وإن كان للأدبار فهذا ملاصق له فبينهما مناسبة الجوار فلا وجه لما قيل من أنه على الأوّل
أنسب. قوله :( أي أضاء ) بيان لحاصل المعنى المراد منه في كلامهم قال العجاج :
حتى إذا الصبح لهاتنفسا وانجاب عنهاليلهاوعسعسا
لكنه وقع في النسخ هنا اختلاف ففي بعضها غرّته أي أوّله على الاستعارة من غرّة الفرس
وفي بعضها غبرته بالمعجمة والباء الموحدة، ثم راء مهملة وتاء تأنيث ويصح أن يقرأ مرفوعاً ومنصوبا حينئذ، وهو أيضا استعارة بتشبيه أجزاء الظلام مع الفجر لاختلاطه بالنور بغبار مرتفع في الجوّ على هاتين النسختين، ووقع بعدهما عند إقبال روح ونسيم بعند الظرفية وفي نسخة عبر من العبارة بالعين المهملة بعدها باء موحدة، ثم راء مهملة ويعقبها عن الجارة الحرفية وهذا كله مصرّج به في الحواشي لكن الأخير مسلك من يعتمد عليه من المحشين، والمعنى عليها مختلف من وجه وتفصيله ما ذكره الإمام من أنه إشارة لتكامل الصبح ولا تكرار فيه وفي كيفية التجوّز قولان أحدهما أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسا له على المجاز، وقيل : تنفس الصبح والثاني إنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي جلس بحيث لا يتحرّك، واجتمع الحزن في قلبه فإذا تنفس وجد راحة فهاهنا لما طلع الصبح كأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس اهـ فعلى الأوّل فيه استعارة مصرحة بجعل ما يهب معه من النسيم نفساً للطفه وللاستراحة به وأسند إلى الصبح مجازاً لمقارنته له ففيه استعارة مصرحة، وتجوّز في الإسناد ولو جعل مكنية وتخييلية حسن بأن يشبه الصبح بماس وآت من مسافة بعيدة، ويثبت له التنفس المراد به هبوب نسيمه مجازاً على طريق التخييل في قوله :﴿ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٢٧ ] وعلى هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله على النسخة الأولى والثالثة، وأما الوجه الثاني الذي اختاره واستحسنه فلا يخفى ما فيه من التعسف، بل لا يصح ما لم يقدر فيه مضاف أي تنفس ليله أو يشبه


الصفحة التالية
Icon