ج٨ص٤٣
للصالحات فكانت عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم، وهؤلاء غفلوا عن ذلك فرتعوا في دنياهم كالبهائم حتى ساقهم الخذلان إلى مقرهم من درك النيران فتقابله واقع في أحسن موقع، وفيه مقابلة أدق مما قيل إنه من الاحتباك فذكر الأعمال الصالحة، ودخول الجنة أو لا دليل على حذف الأعمال الفاسدة، ودخول النار ثانيا والتمتع والمثوى ثانياً دليل على حذف التمتع، والمثوى أوّلاً. قوله :( حريصين الخ ) هو وجه الشبه، وقوله : مثوى لهم كقوله :﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [ سورة التربة، الآية : ٤٩ ] وقوله : على حذف المضاف هو أهل بقرينة قوله : أهلكناهم أو هو على المجاز بذكر المحل، وارادة الحال، وقوله : دهاجراء أحكامه الخ بالجرّ عطف على حذف المضاف يعني إنه حكم على القرية بأنها أشدّ قوّة، وأنها مخرجة له، وهو وصف لأهلها، وهذا الحكم بحسب الظاهر، وإن كان في الواقع على المضاف المحذوف، ومنه يعلم وجه كونه مجازا بالنقص لكن الفرق بينه، وبين المجاز العقلي دقيق جدّاً قوله :( والإخراج الخ ) يعني أنه مجاز عقليّ كقوله : أقدمني البلد حق لي عليك والخلاف فيه معروف فعند المتقدّمين لا فاعل له حقيقي، وعند صاحب التلخيص الفاعل هو الله، وليس هذا الخلاف مبنياً على خلق أفعال العباد كما حقق في حواشي الحفيد على شرح التلخيص فمن توهمه فقد وهم، والتسبب لأنّ أهل مكة لم يخرجوه، ولكن أحبوه، وهموا به فكانوا بذلك سببا لإخراجه حين أذن الله له في الهجرة عنها. قوله :( وهو كالحال المحكية ( لأنّ المتفرّع على الإهلاك عدم النصرة في الماضية لا في الحال، والاستقبال كما هو المتبادر من اسم الفاعل فمقتضى الظاهر أن يقال فلم يكن لهم نصر فعدل عنه كما في قوله :
﴿ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ [ سورة يس، الآية : ٩ ] لتصوير الماضي بصورة الحال، وقال كالحال لأنّ اسم الفاعل ليس كالفعل إذ هو قد يقصد به الثبوت، وإذا لم يعمل قيل إنه حقيقة في الماضي كما حقق في الأصول الفرعية. قوله تعالى :( ﴿ أَفَمَن كَانَ ﴾ الخ ) الاستفهام لإنكار استوائهما، وقوله : على بينة أي ثابت قائم عليها، وقوله : حجة تفسير بينة، وقوله : وهو القرآن تفسير للحجة وذكره لرعاية الخبر، وقوله : كالنبيّ الخ تفسير لمن، ولم يخصه بالنبيّ كما في الكشاف لأنه لا داعي له وقوله : كالشرك بيان لسوء العمل لأنه بمعنى العمل السيئ وقوله : في ذلك الإشارة لسوء العمل، وقوله : لا شبهة لهم بيان لاتباع الهوى فيه، ولمقابلته لما قبله من الثبات على الحجة، والبينة. قوله :( أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة ) تفسير للمثل كما مرّ واشارة إلى أنّ مثل الجنة مبتدأ له خبر مقدر مقدم، وهو مختار سيبويه كما فصلناه في أوّل سورة المائدة، والنور ولذا قابله بقوله : وقيل الخ، وترجيح الأوّل لما مرّ فتذكره، وقوله : وتقدير الكلام الخ هذا، وإن كان تقديرا قبل الحاجة إليه حتى قيل إنّ الثاني أرجح منه، ولذا اقتصر عليه الزمخشري إلا أنه يرجحه أنه لما أنكر التسوية بين من وضح برهان ما ادعاه، ومن قال بحسب ما اشتهى هواه كان مقتضاه أن ينكر استواء سكان الجنان، وأهل النيران، ولذا قدمه المصنف ولم يعبأ بما ذكره هذا القائل. قوله :( أو أمثل الجنة الخ ا لما كان جعل الجنة مثلا لأهل النار غير ظاهر أشار إلى أنه إما على تقدير في الأوّل أو الثاني ليكونا على نمط واحد، وعلى كليهما فمثل مقدر في الثاني إمّا مع مضاف آخر أو لا، وأشار بقوله : أمثل إلى أن قوله مثل الجنة، وإن كان في صورة الإثبات هو في معنى الإنكار، والنفي لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار، وانسحاب حكمه عليه، وهو قوله : أفمن كان الخ وليس في اللفظ قرينة على هذا، وإنما هو من السياق، وأنّ فيه جزالة المعنى. قوله :( فعرّي الخ ( جواب سؤال مقدر تقديره إذا كان المعنى على ما ذكر فلم ترك ذكر الهمزة فيه، وهو نادر بأنه ترك لإبرازه في صورة التسليم، ومثله يدل على الإنكار بأبلغ وجه، وقوله : يجري مثله صفة استغناء وهو مضارع معلوم أو مجهول أو هو مصدر مجرور ومعناه أنه ترك فيه حرف الإنكار الذي هو نفي معنى، وأتى به مثبتا والمقصود نفيه أيضا، وهذا أعني قوله : يجري مثله مماثل لقوله : أفمن كان على بينة الخ فما اعتبر فيه يعتبر في هذا، وهو المصحح للتعرية، والمرجح ما أشار إليه بقوله : تصويراً الخ يعني أن التعرية عن حرف الإنكار لأجل أن تصوّر مكابرة من سوى بين
المتمسك بالبينة، والتابع للهوى بصورة مكابرة من سوى بين الجنة، والنار فحذف حرف الإنكار وجعل الأوّل كالثاني يحقق هذا التصوير بخلاف ما لو ذكر حرف الإنكار، وقيل : أمثل الخ فإنه