ج٨ص٨٧
الفم تقول لفظت النواة إذا رميتها من فيك، ثم شاع في التلفظ فصار حقيقة فيه. قوله :( ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب ) يعني إن كاتب الحسنات يكتب ما فيه الثوأب، وكاتب السيئات يكتب ما فيه العقاب فلا يكتب واحد منهما المباج لأنه لا ثواب فيه، ولا عقاب ويشهد له الحديث المذكور فالعموم في قوله : ما يلفظ من قول مخصوص بما ذكر لأن الكتابة للجزاء عليه فما لا ثواب، ولا عقاب له مستثنى حكماً وما قيل من أنه يكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه فتسمية كاتب السيئات، وكاتب الحسنات شاهدة على خلافه، ويجمع بينهما على ما أشار إليه السيوطي في بعض رسائله بأن يكتب كلى ما صدر عنه حتى المباحات فإذا عرضت أعمال يومه محى منها المباحات، وكتب ثانياً ما له ثواب أو عقاب، وهو معنى قوله : يمحو اللّه ما يشاء، ويثبت فللقول بكتابة المباح وعدمها وجه فلا منافاة بين القولين، والحديثين، وأنما عطف الحديث بالواو، ولم يقل ففي الحديث كما قيك لأنه لا دليل فيه على ما ذكر إذ هو ساكت عما عداهما، وقيل : إنه كالتفسير للأية لذكره تعدد الكاتبين، وظاهر النظم وحدتهما وفيه نظر، والحديث المذكور رواه الطبريّ وذكره ابن حجر. قوله :( لما ذكر استبعادهم البعث ) بقوله :﴿ أَئِذَا مِتْنَا ﴾ الآية، وتحقيق قدرته ما دلّ عليه قوله :﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ ﴾، وتحقيق علمه بقوله :﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ ﴾ الخ وقوله : أعلمهيم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب بقوله : ونفخ في الصور، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد فإن التعبير بالماضي لتحققه الذي صيره يشرف من الوقوع لأنّ كل آت قريب، وما تهيأ أسبابه، ووقعت مقدماته فهو في حكم الواقع. قوله :( شذّته الذاهبة بالعقل ) أي المذهبة العقل فالباء للتعدية، وهو بيان لأنّ السكرة استعيرت
للشدة، ووجه الشبه بينهما أنّ كلاً منهما مذهب للعقل فالاستعارة تصريحية تحقيقية، ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية، واثبات السكرة لها تخييل كما قيل : للموت كأس وكل الناس ذائقها
والمقام لا ينبو عنه كما قيل ثم الأوّل أقرب، وقوله : حقيقة الأمر تفسير للحق بأنه الأمر المحقق، وقوله : الموعود الحق فهو صفة مشبهة موصوفها مقدر، والحق مقابل الباطل أو الحقيق اللائق، وقوله : من الموت والجزاء تفسير له على الوجوه كلها لا للأخير كما قيل، وقوله : فإنّ الإنسان الخ تعليل لقوله الذي ينبغي. قوله :( أو مثل الباء في تنبت بالدهن ) يعني أنها للملابسة، وهو أوجه الوجوه فيها، وإن قيل إنها زائدة ونحو ذلك مما لا يجري هنا، وقراءة سكرة الحق أي سكرة الأمر المحقق، وقوله : سكرة الله لأنّ الحق من أسمائه تعالى، وقوله : للتهويل لأنّ ما يجيء من العظيم عظيم. قوله :( والخطاب للإنسان ) الشامل للبز والفاجر لتقدم ذكره في قوله، ولقد خلقنا الإنسان، وفي شرح الكشاف للطيبي، وجاءت سكرة الموت الخ إن اتصل بقوله : في لبس من خلق الخ وما معه فالمشار إليه بذلك الحق، والخطاب للفاجر أي جاءك أيها الفاجر الحق الدّي أنكرته، وإن اتصل بقوله، ولقد خلقنا الإنسان الخ فالمشار إليه الموت والالتفات لا يفارق الوجهين، والثاني هو المناسب لقوله، وجاءت كل نفس معها سائق الخ بعده، وتفصيله ألقبا في جهنم كل كفار عنيد، وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد اكل فلا وجه لما قيل : إنّ الوجه الأوّل أرجح :
وللناس فيما يعشقون مذاهب
قوله تعالى :( ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾ ) هذا مناسب لكون الخطاب للفاجر فإذا كان للإنسان فالأصل يوم الوعد، والوعيد فاكتفى باحد القرينين لا لمراعاة الفاصلة كما قيل فإنها حاصلة إذا ذكر الوعد مقدّما، وقوله : أي وقت ذلك الخ يعني أنه لا بد فيه من تقدير المضاف لأنّ الإشارة ليست إلى اليوم بل إلى ما وقع فيه، وهو النفخ، وقوله : يوم تحقق الوعيد قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف آخر كما قدر قبل ذلك، ولا حاجة إليه لأنه إشارة إلى أنّ إضحافته إليه للملابسة التامّة بينهما باعتبار أنّ تحققه، وايجاده فيه، ولو جعلت الإشارة إلى وقت ذلك لقيام القرينة
عليه لم يحتج لتقدير أصلاً، وقوله : والإشارة الخ لأنّ اسم الإشارة كالضمير فيكون لاسم مصرح به أو في ضمن مشتق كما في قوله : اعدلوا هو أقرب للتقوى. قوله :( وقيل السائق كا!لب السيئات ) هذا بناء على ما مرّ من أنّ الخطاب للإنسان الشامل للبر والفاجر، وأنما مرضه لأنه لا قرينة تدلّ على أنّ المراد بالسائق كاتب السيئات، وأمّا كونه