ج٨ص٩٠
وأمّا في حق الكفار فالوعيد على عمومه لقوله :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ﴾ [ سورة النساء، الآية : ٤٨ ]. قوله :( فأعذب من ليس لي تعذيبه ) وقد سبق
الوعد بأنه لا يصدر ذلك عنه فلو صدر كان في صورة الظلم لمخالفته لقضائه وحكمه الأزلي لا لأنه ممتنع في نفسه فلا يرد عليه أنه مخالف لمذهب أهل الحق من أنّ له تعالى تعذيب المطيع واثابة العاصي، وصيغة المبالغة تقدم تحقيقها وأنها إمّا لكثرة العباد أو لأنه لو صدر عنه ما يخالف حكمته كان ظلما عظيما فتذكره. قوله :( سؤال وجواب الخ ) يعني أنه استعارة تمثيلية تخييلية على ما مرّ من تفصيله في عرض الأمانة على السموات والأرض، وعدم قبولهما لها وقد ردّ هذا في الانتصاف، وقال : إنّ الله قادر على أن يخلق فيها إدراكاً ونطقاً كما خلق ذلك في الحصى والجذع حتى سبح ولا داعي لتأويل النصوص مع إمكان إبقائها على ظاهرها، وهو كلام حسن وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. قوله :( والمعنى أنها مع اتساعها الخ ) ذكروا فيه وجوها ثلاثة أحدها : أنها تمتلئ بحيث لا تقبل الزيادة مع اتساعها فيكون الاستفهام إنكارياً معناه النفي لقوله :﴿ لأَملأنَّ جَهَنَّمَ ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ١٨ ] فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا والثاني أنّ المراد الدلالة على سعتها بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلوّ كانه يطلب الزيادة فالاستفهام للتقرير أو على حقيقته لكنه بالفرض والتقدير، أو أنه تمثيل لثدة توقدها وزفيرها وتهافت الكفرة والعصاة وقذفهم فيها حتى كأنه طالبة للزيادة فقوله : حتى تمتلئ إشارة إلى أنه استعارة وتمثيل للامتلاء إلا أنه قيل عليه لفظ التخييل غير مناسب هنا فتأمّل، فإن قلت الوجه الثاني وهو كونها فيها فراغ مناف لصريح النظم من قوله :﴿ لأَملأنَّ جَهَنَّمَ ﴾ الآية قلت : لا منافاة بينهما كما توهم لأنّ الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها، وإن كان فيها فراغ كثير كما يقال : إنّ البلد ممتلئة بأهلها ليس فيها دار خالية مع ما بينها من الأبنية والأفضية، أو هذا باعتبار حالين فالفراغ في أوّل دخول أهلها فيها ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئئ وأمّا دفع المخالفة بماورد في الحديث من أنه يضع فيها رب العرش قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فيحصل حينئذ الامتلاء فمما لا يبغي ذكره لأنّ هذا
الحديث من المتشابهات التي لا بدّ من تأويلها. قال ابن فورك في كتاب مشكل الأحاديث والآيات : إنه حديث صحيح روي عن أبي هريرة رضي الله عنه هكذا قال : إنّ جهنم لن تمتلئ حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول : قط قط وروي رجله بدل قدمه في رواية غير صحيحة، وقد اتفقوا على أنه مؤوّل فقال النضر بن شميل : إنّ القدم هنا الكفار الذين سبق في علمه تعالى دخولهم النار، والقدم تكون بمعنى المتقدم كقوله : قدم صدق وقال ابن الأعرابي قريباً منه أيضا وقال بعضهم القدم هنا بعض مخلوقاته أو أقدام بعضهم أضيف إليه تعالى لأنه عن أمره وحكمه، وقيل : الجبار جنس من الكفرة جبارون وقيل : المراد بهم إبليس وشيعته فإنّ لفظ الجبار غير مختص بالله تعالى وكذا رواية الرجل مؤوّلة فإنها تكون بمعنى الجماعة فلا بد من تأويله فأخذه على ظاهره ودفع المخالفة به مما لا يليق. قوله :( أو أنها من شدّة زفيرها الخ ) هذا كما في الكشف مرتب على التمثيل والتصوير، والحاصل أنّ نفي الزيادة وإثباتها إمّا على ظاهره أو هو كناية عن الاستكثار فلا يرد عليه أنه للإنكار وهو غير مناسب لكون المخاطب هو الله كما قيل إذ إرادة المعنى الحقيقي غير لازمة ولو سلم فهو مجاز لا كناية، وقوله : كالمستكثرة الخ ناظر لشدة الزفير والحدّة والطالبة للزيادة ناظر لتشبثها بالعصاة فهو لف، ونشر وكل منهما ناظر إلى تفسير هل من مزيد أيضا ففيه لف ونشر آخر. قوله :( مصدر كالمحيد ) وفي نسخة كالمميد من ماد إذا تحرّك فهو مصدر ميمي أو هو اسم مفعول أعل أعلال المبيع وهو ظاهر، وقوله : أو ظرف لنفخ لا يخفى بعده مع كثرة الفوامحل التي لا تصلح للاعتراض، وارادة التعلق المعنوي على أنه مما تنازع فيه الأفعال السابث ة كلها وتعلق بالأخير منها على الأرجح وذكر الأوّل التعيين المشار إليه فيه، خلاف الظاهر ولا يصح الحمل عليه من غير قرينة، وذلك في قوله : ذلك يوم الوعيد حينئذ الإشارة إليه لتقدّمه رتبة وإن تأخر لفظاً فحينئذ لا يحتاج إلى تقدير مضاف فيه كما إذا كان إشارة إلى النفخ وأمّا الاعتراض بأنّ زمان النفخ ليس يوم القول إلا إذا