تفسير التستري، ص : ٣٤
ما الزاد والراحلة؟ فقالوا : لا. فقال : الزاد الذكر، والراحلة الصبر. قال «١» : وقد صحبه رجل في طريق مكة فلم يجد يومين شيئا فقال : يا أستاذ أحتاج إلى قوت. فقال : القوت هو اللّه. فقال : لا بد من قوت يقوم به الجسد. فقال : الأجساد كلها باللّه عزّ وجلّ وأنشد :[من البسيط]
يا حبّ زدني سقاك الشّوق من ديم يزيدني صوبها الأحزان والكربا
و دام لي لوعة في القلب تحرقني إنّي متى أزداد حبّا زادني طربا
ثم قال : الدنيا هي التي قطعت المنقطعين إلى اللّه عن اللّه عزّ وجلّ. وقال «٢» : عيش الملائكة في الطاعة، وعيش الأنبياء بالعلم وانتظار الفرج «٣»، وعيش الصديقين بالاقتداء، وعيش سائر الناس [عالما كان أو جاهلا، زاهدا كان أو عابدا] «٤» في الأكل والشرب.
قوله : وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ [١٩٧] أي يا أهل الفهم عني بالعقول السليمة. وقال :
إن اللّه تعالى أمرهم أن يتقوه على مقدار طاقات عقولهم بما خصهم به من نور الهداية بذاته، والقبول منه، وإفرادهم بالمعنى الذي ركبه فيهم، وعلمه بهم قبل خلقهم، فذكرهم تلك النعمة عليهم، ودعاهم بتلك النعمة التي سبقت لهم إلى الاعتراف بنعمة ثانية بعد الموهبة الأزلية، وهي حقيقة المعرفة، وقبول العلم بالعمل خالصا له. قيل : فما معنى التقوى وحقيقته؟ قال :
الحقيقة للّه عزّ وجلّ أن تعاجل لدى العمل القليل بالموت، وكذا الخطايا بالعقوبة، فيعرف ذلك فيتقيه، فلا يتكل على شيء سواه. قيل له : قد اختلفت أسباب تقوى الخلق؟ قال : نعم، كما اختلف أفعالهم. قال أبو بكر : فقلت : لقد ثبت في القرآن أن تقوى كل امرئ على حسب طاقته.
فقال : نعم، قد قال اللّه تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [التغابن : ١٦] فردهم إلى ما في طاقتهم. فقلت له : لقد قال اللّه تعالى : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران : ١٠٢] قال سهل : أما أصحابنا فيقولون إن هذا الخطاب لقوم مخصوصين بأعيانهم، لأنهم طولبوا بما لم يطالب به الأنبياء عليهم السلام، وكما قال إبراهيم ويعقوب لأولادهما : يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [١٣٢]. وإنما تعبد اللّه الخلق على حسب طاقاتهن، والذين قيل لهم : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران : ١٠٢] طولبوا بالتقوى على حسب معرفتهم باللّه، فكان معنى ذلك، أي اتقوا اللّه حق تقاته ما قدرتم عليه، لا أنه رخص في ترك التقوى بتلك
________
(١) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٨.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٨.
(٣) في الحلية :(و انتظار الوحي).
(٤) ما بين القوسين إضافة من الحلية.


الصفحة التالية
Icon