تفسير التستري، ص : ٣٥
الآية : وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران : ١٠٢] أي مسلمون لأمر اللّه بكل حال مفوضون إليه، والآخرون ردوا إلى الاجتهاد، فافهم الفرق بين الاثنين في الخطاب، إذا كان اللفظ متفقا والمعنى مختلفا خاص وعام. قال أبو بكر : ثم قال سهل : لو دعا المتقون على المسرفين لهلك الأولون والآخرون منهم، ولكن اللّه جعل المتقين رحمة للظالمين ليستنقذهم بهم، فإنّ أكرم الخلق على اللّه عزّ وجلّ المتقون كما قال اللّه : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات : ١٣] فمن أراد كرامة اللّه عزّ وجلّ فليتّقه، فإنه ينال بالتقوى كرامته، والدخول إلى جنته، ويسكن في جواره، ويفوز فوزا عظيما، وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته ومن اتقى اللّه في سره قربه وأدناه» «١».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠١]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١)
قوله : رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً [٢٠١] أي العلم والعبادة خالصا وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [٢٠١] أي الرضا، كما قال : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة : ١١٩].
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٤]
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)
وسئل عن قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا [٢٢٤] ما هذا البر؟ فقال : يعني أن لا تصلوا القرابة لعلة اليمين. فقيل له : لقد قال : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [١٧٧] فقال : يعني ليس من التقوى أن لا تفعلوا غير ذلك وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [١٧٧] الآية. ألا تراه كيف قال : أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [٤٤] يعني اليهود كانوا يأمرون إخوانهم من الرضاعة بطاعة اللّه تعالى واتباع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانوا لا يفعلون ذلك.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٥]
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)
قوله : وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا [٢٣٥] أي مناكحة. قوله : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [٢٣٥] أي علم ما في غيب أنفسكم قبل خلقه لكم من فعل حركة أو سكون بخير أمر به وأعان على فعله، وفعل ما نهى عنه، ولم يعصم من نزل به، وخلى من شاء مع الهوى لإظهار فعل ما نهى عنه، ولم يعصم عدلا منه وحكما، فكان معنى قوله : ما فِي أَنْفُسِكُمْ [٢٣٥] أي ما لم تفعلوه، وفِي أَنْفُسِكُمْ [٢٣٥] أي ما ستفعلونه «٢»، فَاحْذَرُوهُ [٢٣٥] أي اضرعوا إليه فيه حتى يكون هو الذي يتولى الأمر بالمعونة والتوفيق على الطاعة، ويعصم عن النهي بالنصر والتأييد.
ألا ترون إلى قول عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنهما : اللهم إن كنا عندك في أم الكتاب أشقياء محرومين فامح ذلك عنا وأثبتنا سعداء مرحومين، فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت وعندك أم الكتاب.
________
(١) مصنف ابن أبي شيبة ٧/ ١٦٢ (رقم ٣٤٩٨٨)، ٧/ ٢١٧ (رقم ٣٥٤٧٢) وصفوة الصفوة ٣/ ١٠٤.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ٢٠٠، ٢١٠.