تفسير التستري، ص : ٤٨
حبلا لأنه من تمسك به توصل إلى الأمر الذي يؤمنه.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٢٨]
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)
قوله : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [٢٨] قال : أي عدله، لأن النار عدله لمن خالفه، والجنة فضله لمن أطاعه، ألا ترون إلى قوله عليه الصلاة والسلام :«يا من لا يرجى إلّا فضله ولا يخشى إلّا عدله».
[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٥]
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)
قوله : قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً [٣٥] أي حررته وأعتقته من رق الدنيا من متابعة هواه ومرادات نفسه، وجعلته خادما لعباد بيت المقدس خالصا للّه تعالى،
[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٧]
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ [٣٧] أي وقال : الملك الأعلى أولى بالمحرر عن رقّ النفس ورقّ الدنيا. وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً [٣٧] قال : بالعمل الصالح في ذكر اللّه تعالى وجوارحها في خدمة اللّه وقلبها في معرفة اللّه عزّ وجلّ،
[سورة آل عمران (٣) : آية ٤٣]
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ [٤٣] أي للّه فصلي، وإياه بالإخلاص فاعبدي، وإليه بالدعاء فاقنتي وتضرعي
[سورة آل عمران (٣) : آية ٤٧]
قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧)
. قوله : كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [٤٧] قال : إذا كان في علمه السابق الأزلي أمر فأراد إظهاره قال له كن فيكون، قال القائل شعر :[من الطويل ].
قضى قبل خلق الخلق ما هو خالق خلائق لا يخفى عليه أمورها
هواها ونجواها ومضمر قلبها وقبل الهوى ما ذا يكون ضميرها
[سورة آل عمران (٣) : آية ٦١]
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)
قوله : ثُمَّ نَبْتَهِلْ [٦١] أي يدعو بعضنا على بعض باللعنة والمبتهل الداعي، والابتهال الدعاء، والمسبح الذاكر، وهو الذي لا تكتبه إلّا الحفظة لأنه مشاهدة المذكور في الذكر بالمذكور وهو معنى قوله :«أنا جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني» «١».
[سورة آل عمران (٣) : آية ٦٤]
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
قوله : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [٦٤] يعني إلى طمع عدل بيننا وبينكم، لأنهم كانوا مقرين بأن خالقهم وخالق السماوات والأرض هو اللّه تعالى، فنوحده ولا نعبد إلّا إياه. وأصل العبادة : التوحيد مع أكل الحلال وكف الأذى، ولا يحصل الأكل الحلال إلّا بكف الأذى، ولا كف الأذى إلّا بأكل الحلال، وأن تعلموا أكل الحلال وترك أذى الخلق والنية في الأعمال كما تعلموا فاتحة الكتاب، ليصفوا إيمانكم وقلوبكم وجوارحكم، فإنما هي الأصول. قال : حكى محمد بن سوار عن الثوري أنه قال : منزلة لا إله إلّا اللّه في العبد بمنزلة الماء في الدنيا، قال اللّه تعالى : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء : ٣٠] فمن لم ينفعه اعتقاد لا إله إلّا اللّه والاقتداء بسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فهو ميت. قال سهل : وإني لأعرف رجلا من أولياء اللّه تعالى اجتاز برجل مصلوب وجهه إلى غير القبلة، فقال : أين ذلك اللسان الذي كنت تقول به صادقا :«لا إله إلّا اللّه»، ثم قال : اللهم هب لي ذنبه. قال سهل :
________
(١) تقدم الحديث في نهاية خطبة هذا الكتاب.


الصفحة التالية
Icon