تفسير التستري، ص : ٤٩
فاستدار نحو القبلة بقدرة اللّه.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٢ الى ٧٣]
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣)
قوله : وَجْهَ النَّهارِ [٧٢] أي أول النهار. قوله : وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [٧٣] أي كثير العطاء يقدر بقدرته الأزلية أن يعطي جميع ما يسأل، وهو المحيط بكل شيء، كما قال : وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [طه : ٩٨].
[سورة آل عمران (٣) : آية ٧٩]
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)
وسئل عن قوله : وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [٧٩] قال محمد بن سوار : الربّاني الذي لا يختار على ربه أحدا سواه، وهو اسم مشتق من الربوبية. وقال سهل : الربانيون هم العالمون في الدرجة من العلم بالعلم. كما قال محمد بن الحنفية «١»، لما مات عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما : لقد مات هذا اليوم رباني هذه الأمة «٢».
وإنما نسب إلى الرب لأنه عالم من علمه. كما قال : مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم : ٣]، فنسبه إلى النبوة بما علمه اللّه عزّ وجلّ. وكل من أنبأك بخبر موافق للكتاب والسنة فهو منبئ. والعلماء ثلاث : رباني ونوراني وذاتي بلا واسطة بينه وبين اللّه تعالى فيه بقية من اللّه عزّ وجلّ. وقال عمر بن واصل : الربانيون هم المجموعون من العلماء، كما قال علي رضي اللّه عنه : الناس ثلاثة : عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٨٥]
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥)
قوله :
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً [٨٥] قال : الإسلام هو التفويض كقوله : وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [١٠٢] أي مفوضون وكذلك قوله : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [١٩].
[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٢]
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)
وسئل عن قوله : لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [٩٢] أي لن تبلغوا التقوى كلها حتى تحاربوا أنفسكم، فتنفقوا بعض ما تحبون، ولا إنفاق كإنفاق النفس في مخالفتها وطلب مرضاة اللّه عزّ وجلّ. وحكي عن عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم، فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا : الخوف من خالقنا، والحذر من عقوبة عصياننا فقال : حق على اللّه أن يؤمن الخائف. قال : فجاوزهم إلى ثلاثة هم أشد نحولا، فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا : الشوق إلى ربنا. فقال : حق على اللّه أن يعطيكم ما رجوتم. فجاوزهم إلى ثلاثة نفر هم أشد نحولا، كأن وجوههم البدور، قال : ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا : الحب قال : أنتم المقربون ثلاثا، فمن أحب اللّه تعالى فهو المقرب، لأن من أحب شيئا تسارع إليه، فالمرتبة الأولى مرتبة التوابين، والمرتبة الثانية مرتبة المشتاقين، ثم يبلغ العبد المرتبة الثالثة، وهي المحبة، ألا ترون أنهم كيف اتفقوا كلهم فيمن الكل له، وأعرضوا عن الكل إلى من له الكل؟.
________
(١) ابن الحنفية : محمد بن علي بن أبي طالب (٢١- ٨١ ه) : أحد الأبطال الأشداء في الإسلام، وهو أخو الحسن والحسين. كان واسع العلم، ورعا، أسود اللون. (الحلية ٣/ ١٧٤).
(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٦/ ٣٨٣، وفضائل الصحابة لابن حنبل ٢/ ٩٥٥.