تفسير التستري، ص : ٥٠
[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٦]
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦)
وقوله : إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً [٩٦] أي أول بيت وضع للناس بيت اللّه عزّ وجلّ بمكة هذا هو الظاهر، وباطنها الرسول يؤمن به من أثبت اللّه في قلبه التوحيد من الناس.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٦]
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦)
قوله : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [١٠٦] يعني تبيض وجوه المؤمنين بنور إيمانهم، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [١٠٦] الكافرين بظلم كفرهم. وسئل عن قوله : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة : ٦١] فقال : هذه الأجسام الغرض منها ما أودع اللّه فيها من الودائع، ابتلى اللّه الخليقة بها، فمنها ما هو اعتبار للطائعين وهو الكفر، ومنها ما هو حجة على الغافلين، وهو المعرفة والتصديق في الأقوال والأفعال، كما قال : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام : ١] فباطن هذه الآية : النور العلم، والظلمات الجهل، لقوله : وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ [النور : ٤٠] أي ما يستبصر به القلب الإيمان باللّه، فنور الإيمان من أعظم منن اللّه عزّ وجلّ وكراماته. والثاني الطيب من القول، وهو قوله تعالى : تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ [٦٤] الآية.
والثالث إطاعة بالجوارح خالصا للّه، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقنوع والرضا، فدعاهم بذلك إلى أطيب القول وأحسن الفعال، ولو لم يكن الإيمان باللّه والقرآن الذي هو علم اللّه فيه الدعوة إلى الإقرار بالربوبية والتعبد إياه في الفزع، لم تعرف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أجابهم من الخلق.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٤١]
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)
قوله : وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [١٤١] يعني تخليصهم من عيوب الذنوب، كما أخلصوا له بالعمل، وهو الجهاد في سبيل اللّه، وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ [١٤١] أي وليهلك الكافرين بالذنوب عن الابتلاء.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٢]
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)
قوله : وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ [١٤٩] يعني الفئة المنهزمة يوم أحد حين لم يستأصلهم جميعا. وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [١٥٢] بالعفو عنهم وقبول التوبة منهم.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٥]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)
قوله : إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا [١٥٥] فسئل ما هذا الكسب؟ فقال : هو الإعجاب الذي كان منهم بكثرة عددهم يوم حنين، وأخذهم العزة يوم بدر، وكان لشرك الشيطان إياهم بعد مساكنة قلوبهم ورؤيتهم نفوسهم بما سولت لهم أنفسهم من الإعجاب، فترك اللّه عصمتهم جزاء لهم. وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين سمع من أصحابه يوم حنين يقولون لن نؤتى من قلة :«لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللّه العافية» «١» من تدبيركم إلى نفوسكم بحال، دون الافتقار إلى اللّه عزّ وجلّ، ألا ترى أن داود عليه السلام لما
________
(١) صحيح البخاري : كتاب الجهاد، ٢٨٠٤، ٢٨٦١، ٢٨٦٣ وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير، ١٧٤١- ١٧٤٢.